الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ـ فكلامه هذا ليس مقصورا على الريح، بل كل ما شك فيه الإنسان فالأصل عدم ما شك فيه حتى يحصل له اليقين بحصوله، ولهذا قال النووي ـ رحمه الله ـ في هذا الحديث: وهذا الحديث أصل مِنْ أصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا. انتهى.
فإذا علمت هذا الأصل العظيم فاعلمي أيضا أن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم، فاحذري الوساوس وإياك والاسترسال معها، ثم اعلمي أن الله إنما يحاسب العباد على عملهم بما شرعه لهم لا على ما في نفس الأمر، فمن شك مثلا هل خرج منه مني أو لا فلا يجب عليه الغسل وهذا حكم الشرع، ولا يأثم، وصلاته صحيحة، ثم إن ظهر يوم القيامة أنه كان خرج منه المني حقيقة فإنه لا يحاسب على ما في نفس الأمر ما دام قد عمل بالشرع الذي شرعه الله تعالى، وأما خروج المذي من المرأة فالحس شاهد به ولا يفتقر مثله إلى دليل، وأما كيف تعرف المرأة ما خرج منها هل هو مني أو مذي؟ فإن ذلك يكون بمعرفة العلامات المميزة لكل من هذه الإفرازات، وقد أوضحنا فرق ما بينها في فتاوى كثيرة، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 131658، 128091، 110928.
وإذا لم تستطع التمييز بين هذا الخارج هل هو مني أو غيره فإنها تتخير عند الشافعية فتجعل له حكم أحدها، وهذا القول هو الأرفق بالموسوس، وانظري الفتوى رقم: 64005.
والله أعلم.