الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصا على الخير وثباتا على الدين، ثم اعلمي بارك الله فيك أن هذا الخوف من الله أمر حسن، وهو من أعظم ما يسوق به المرء نفسه إلى الله ويحملها به على الطاعات، ولكن السير إلى الله بالخوف وحده ليس من عمل الصالحين، فلا بد أن يكون هذا الخوف مصحوبا برجاء يطيب السير ويحدوه إلى مولاه ويشوقه إلى الدار الآخرة فاعلمي بوركت أن الله تعالى رحيم بعباده لطيف بهم، وأنه سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، فأحسني ظنك به وأملي فضله وبره وإحسانه فهو سبحانه البر الرحيم، واجمعي إلى خوفك منه رجاءك في سعة رحمته مع اجتهاد في العمل الصالح فيوشك مع هذا ألا يخيب لك سعي بإذن الله ومنه، جاء في مدارج السالكين: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ ـ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ـ الرَّجَاءُ ـ حَادٍ يَحْدُو الْقُلُوبَ إِلَى بِلَادِ الْمَحْبُوبِ، وَهُوَ اللَّهُ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ، وَيَطِيبُ لَهَا السَّيْرُ، وَقِيلَ: هُوَ الِاسْتِبْشَارُ بِجُودِ وَفَضْلِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالِارْتِيَاحُ لِمُطَالَعَةِ كَرَمِهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الثِّقَةُ بِجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمَنِّي أَنَّ التَّمَنِّيَ يَكُونُ مَعَ الْكَسَلِ، وَلَا يَسْلُكُ بِصَاحِبِهِ طَرِيقَ الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالرَّجَاءُ يَكُونُ مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ. انتهى.
فمهما اجتمع لك الخوف والرجاء ومحبة الله على الوجه المطلوب شعرت بما يشعر به أهل الإيمان ووجدت لذلك حلاوة لا تعدلها لذائذ الدنيا ومتعها، فأقبلي على ربك وأصلحي عملك جهدك وأحسني ظنك به سبحانه وكوني راجية لفضله وبره وإحسانه ولا يحملك الخوف منه على ترك الرجاء فإنه لا بد منهما مجتمعين في طريق السير إلى الله تعالى، ودعي عنك الوساوس والأوهام وحاولي أن توجدي لنفسك بيئة صالحة تعينك على طاعة الله من رفيقات الخير العاملات بطاعة الله، ومهما أشكل عليك أمر من أمور الدين فاسألي أهل الذكر، فإن لم يتيسر لك من تسأليه فابحثي في مواقع الإفتاء الموثوقة وهي كثيرة بحمد الله، واعلمي أنك إن بذلت الوسع لم تكوني مؤاخذة بما يقع منك عن خطأ أو جهل، فقد قال تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ـ وقال الله في جوابها: قد فعلت.
واجتهدي في الدعاء أن يذيقك الله حلاوة الإيمان وبرد اليقين، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.
والله أعلم.