الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما أن تشتري السلعة لأجل الارتفاق بثمنها الحالّ، فهذا جائز عند الجمهور، وهو ما يعرف بالتورق، ولكن لا يجوز لك أن تبيعها على من اشتريتها منه بأقل من ثمنها، ما لم يقبض جميع ثمنها؛ لأن هذه هي مسألة العينة، التي ورد النص بتحريمها، قال في كشاف القناع: فَصْلٌ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ، أَيْ: بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ (أَوْ بِثَمَنِ) حَالٍّ (لَمْ يَقْبِضْهُ صَحَّ) الشِّرَاءُ، حَيْثُ لَا مَانِعَ (وَحَرُمَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى بَائِعِهَا (شِرَاؤُهَا، وَلَمْ يَصِحَّ) مِنْهُ شِرَاؤُهَا (نَصًّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلِهِ بِ) نَقْدٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ (أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا) بِهِ (بِنَقْدٍ) أَيْ: حَالٍّ (أَوْ نَسِيئَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ حِلِّ أَجَلِهِ) أَيْ: أَجَلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (نَصًّا) نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٌّ؛ لِمَا رَوَى غُنْدَرُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ: «دَخَلْتُ أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَ مَا شَرَيْتِ، أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطَلَ، إلَّا أَنْ يَتُوبَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدٌ.
وَلَا تَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا تَوْقِيفًا، وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا؛ لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ، وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ؛ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ مِنْ الْإِرْثِ... (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى) مَسْأَلَةُ (الْعِينَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ (؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بَدَلَهَا عَيْنًا، أَيْ: نَقْدًا حَاضِرًا)... وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا، لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» ... (وَلَوْ احْتَاجَ) إنْسَانٌ (إلَى نَقْدٍ، فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى: (مَسْأَلَةَ التَّوَرُّقِ) مِنْ الْوَرِقِ، وَهُوَ الْفِضَّةُ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ يَبِيعُ بِهَا. انتهى.
والخلاصة؛ أن التورق -وهو أن تبيع السلعة المشتراة على غير من اشتريتها منه- جائز.
وأما بيعها على من اشتريتها منه بأقل مما اشتريتها به، فلا يجوز، وانظر الفتوى: 80608.
والله أعلم.