الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمتن الحديث كما رواه البخاري بسنده هو: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللهِ وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ (عَنْهُ) مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: عَلَى مَا (عَلَامَ) تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعِلَاقِ (الْعَلَاقِ) عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ )
غريب الحديث:
العذرة بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء: وجع الحلق وهو الذي يسمى سقوط اللهاة بفتح اللام وهي اللحمة التي تكون في أقصى الحلق.
وقوله: قد أعلقت عليه أي قد عالجته برفع الحنك بإصبعها. وقوله: ( تدغرن) بالمهملة والمعجمة والراء خطاب للنسوة. وقوله: ( بهذا العلاق) أي بهذا العصر والغمز.
قال الطيبي: وتوجيهه أن في الكلام معنى الإنكار أي على أي شيء تعالجن بهذا الداء الداهية والمداواة الشنيعة ؟ بل التزمن في هذا الزمان باستعمال العود الهندي في عذرة أولادكن. والعود هو القسط وهو نوعان : هندي وهو أسود، وبحري وهو أبيض والهندي أشدهما حرارة . وقوله: ( فإن فيه ) أي في هذا العود ( سبعة أشفية ) جمع شفاء وهو الدواء، وقوله: ( يسعط ) من السعوط وهو ما يصب في الأنف، وبيان كيفية التداوي به أن يدق العود ناعما ويدخل في الأنف، وقيل يبل ويقطر فيه. قوله: ( ويلد به ) من اللد وهو صب الدواء في أحد شقي الفم ( من ذات الجنب ) داء معروف قرحة قبيحة تثقب البطن .
المعنى الإجمالي :أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين لنساء أمته كيف يداوين أبناءهن من هذا الداء فأرشدهن وسائر أمته إلى العود الهندي، وبين أن فيه سبعة أشفية من أمراض مختلفة بين بعضها ووكل إلى التجربة والمعرفة باقيها ولم يثبت بيان شيء منها غير ما ذكر .
من هنا تعلم أن غير ما ذكر في الحديث من كل الأدواء محتمل يبحث عنه الناس حتى يثبتوه بالتجربة فليس ثمت مانع من أن يكون داء بعينه منها أو ليس منها.
قال النووي في شرح مسلم مبينا منافع القسط: (قد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول، وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل، ويذهب الكلف إذا طلي عليه، وينفع من برد المعدة والكبد ويردهما، ومن حمى الورد والربع وغير ذلك.)
فاستعمال الراقي لها في رقيته إذن أمر مشروع لاحتمال أن يكون من هذه الأشفية التي لم تبين ووكلت إلى التجربة شفاء السحر وما ذكر معه.
أما استعماله عن طريق فم المريض ونحو هذا من الوسائل فالأصل أنه لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا، إلا أن استعمال هذه الوسائل غير المعقولة المعنى مما يشوش على العوام ضعفة العقول، وليس الغلو فيه إلا من شأن المشعوذة المبتدعين فليحذر من الإسراف فيه الرقاة أهل السنة.
أما عن ما سألت عنه من اختلاف تلك الأمراض فهي بالطبع أمراض مختلفة في حقيقتها وفي تأثيرها وفي أسبابها، والأولى أن يسأل عنها أهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم.
والله أعلم.