الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين كون الله عدلا وبين رحمته وتفضله على المسيء بمغفرة الذنوب، فإن المغفرة تفضل منه سبحانه، والفضل شيء غير العدل، ولو عاملهم بعملهم لما دخل أحد منهم الجنة، قال الله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{البقرة: 284}.
وقال تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ {العنكبوت:21}.
قال الإمام القرطبي: يعذب من يشاء: أي بعدله، ويرحم من يشاء: أي بفضله.
قال ابن كثير: أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه الملك الذي لا يظلم مثقال ذرة. اهـ.
وقال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء:23}.
وما أحسن قول الشافعي رحمه الله:
فما شئتَ كان وإن لم أشأ * وما شئتُ لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد وهذا قبيح وهذا حسن.
ثم اعلمي أن كون الله تعالى يغفر للمسيء ويدخله الجنة لا يعني أنه في نفس الدرجة مع غيره ممن هو خير منه، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
والله أعلم.