الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عين هذا الرجل وقتا في يمينه ـ سواء تلفظ به أو نواه ـ فإنه يحنث بانقضاء ذلك الوقت من غير قتل المحلوف على قتله، قال ابن قدامة: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفا له ......... ومنها أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقا وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه. اهـ
أما إذا لم يعين وقتا لذلك فلا يحنث إلا بفوات آخر زمان الإمكان وهو وقت موت الحالف أو موت الرجل المحلوف على قتله، ويرى المالكية أن الحالف إذا عزم على عدم فعل المحلوف عليه حصل الحنث، وهذه بعض نصوص الفقهاء في المسألة، قال ابن قدامة رحمه الله: وكذلك لو قال: إن لم أعتق عبدي، أو إن لم أضربه، فامرأتي طالق، وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا، فأما إن عين وقتا بلفظه، أو بنيته، تعين، وتعلقت يمينه به.
وقال ابن مفلح رحمه الله: إِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَفْعَلَنَّ مُحَرَّمًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ فِعْلُهُ، وَتُطَلَّقُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لَا يَطَؤُهَا وَتُطَلَّقُ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَلَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا لِفِعْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا فِي آخِرِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ.
وقال عليش رحمه الله: وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَعَدَمِ الْفِعْلِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَكُونُ مُظَاهِرًا عِنْدَ الْيَأْسِ، أَوْ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ التَّزْوِيجِ.
واعلم أن الجمهور على أن الطلاق المعلق يقع بحصول المعلق عليه سواء قصد الزوج الطلاق أو كان قصده التهديد ونحوه ـ وهو المفتى به عندنا ـ خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمّية الذي يرى عدم وقوع الطلاق المعلق إذا قصد به التهديد أو المنع أو الحث، وأنّه يمكن حلّه بكفارة يمين، وانظر الفتوى رقم: 11592.
وننبه إلى أن القتل بغير حق من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
والله أعلم.