الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن عامة الفقهاء على جواز البيع بزيادة في الثمن الآجل عن الثمن الحال ولم يخالف في ذلك إلا قلة قليلة، والمذاهب الأربعة على جواز ذلك وإليك بعض أقوالهم:
المذهب الحنفي: الثمن قد يزاد لمكان الأجل. بدائع الصنائع: 5 ـ187 .
المذهب المالكي: جَعل للزمان مقدار من الثمن. بداية المجتهد: 2 ـ108 .
المذهب الشافعي: الخمسة نقداً تساوي ستة نسيئة. الوجيز للغزالي: 1 ـ 85 .
المذهب الحنبلي: الأجل يأخذ قسطاً من الثمن. فتاوى ابن تيمية: 29 ـ 499 .
وسئل الشيخ ابن باز عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل فقال: إن هذه المعاملة لا بأس بها، لأن بيع النقد غير التأجيل ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء، لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة وعجزه عن تسليم الثمن نقداً، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ {البقرة:282} وهذه المعاملة من المداينات الجائزة الداخلة في الآية المذكورة وهي من جنس معاملة بيع السلم... اهـ.
وأما ما ذكرته من التحايل المحرم في الشرع: فهذا صحيح في عمومه، غير أنه لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ ليس في الشرع ما يقتضي تحريم بيع السلعة إلى أجل بثمن أكثر من ثمنها نقدا، بل قواعد الشرع المحققة للمصالح تقتضي ذلك، عكس ما في نكاح المحلل، إذ قد تواردت نصوص السنة بتحريمه، وما ذكرته من بيعتين في بيعة على مقتضى تفسير الراوي يناقش بعدم تسليم أن سماك ـ رحمه الله ـ أراد المنع من المسألة محل البحث، إذ يحتمل أنه أراد المنع من أن يتفرق المتعاقدان قبل الجزم بأحد الثمنين، وهذا متفق على منعه، ومادام الاحتمال وارداً، فإن الاستشهاد بكلامه على المنع من هذه المسألة غير مسلم، وما ذكرته من فوات القرض بهذ البيع إلا أن هذا أيضا ليس مقتضيا للتحريم، إذ القرض إنما شرع استحبابا لا وجوبا على وجه الإرفاق، فلا يكون فواته علة للتحريم.
والله أعلم.