الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النفس تقوى على الشيطان إذا التزم صاحبها بما شرع الله من معاداة ومجاهدة الشيطان والاستعاذة منه، وقد قدمنا بسط القول فيما يقوي النفس على كيد الشيطان ويساعد على التخلص من غوايته في الفتوى رقم: 33860.
وأما النفس الشريرة: فإن الشيطان يقوى عليها وتكون أداة في يده يلقي فيها الشر ويحركها إليه فتكون أمارة بالسوء، كما قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {يوسف:53}.
وإنما كانت كذلك لاستجابتها لوسوسة الشيطان، قال السعدي ـ رحمه الله ـ عند قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ـ أي لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي الفاحشة وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان ومنها يدخل على الإنسان. انتهى.
والنفس التي استولى عليها الشيطان ربما تفيق فتعصيه بتوفيق الله تعالى لها أو بسبب خاطر رباني أو ملكي فتصبح نفسا طيبة، قال ابن القيم في كتاب الفوائد: وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور بما يلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبا دارت به، وإن ألقيت فيها زجاجا وحصى وبعرا دارت به، والله سبحانه هو قيم تلك الرحى ومالكها ومصرفها، وقد أقام لها ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به، وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به، فالملك يلم بها مرة، والشيطان يلم بها مرة، فالحب الذي يلقيه الملك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد، والحب الذي يلقيه الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد، والطحين على قدر الحب، وصاحب الحب المضر لا يتمكن من إلقائه إلا إذا وجد الرحى فارغة من الحب وقيمها قد أهملها وأعرض عنها، فحينئذ يبادر إلى إلقاء ما معه فيها. انتهى.
والله أعلم.