الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأكثر المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو: رجل صالح، يقال له آصف بن برخيا، وكان صديقاً لسليمان -عليه السلام-.
وعلم الكتاب الذي عنده هو: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وقد اختلفوا في هذا الاسم، فقالت عائشة: يا حي يا قيوم. وقيل: يا إلهنا وإله كل شيء، يا ذا الجلال والإكرام.
والأصح أن اسم الله الأعظم قد أخفاه في أسمائه الحسنى لحكمة أرادها -سبحانه وتعالى-، كما أخفى ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في الجمعة، ووقت الإجابة يوم عرفة.
وإذا اعتبرنا أن علم الكتاب الذي عند آصف هو الدعاء باسم الله الأعظم، فلا مانع من أن يطلع الله -تعالى- بعض عباده الصالحين على اسمه الأعظم، وعلى خصائص بعض أسمائه الحسنى، وخاصة أنهم قالوا: إن آصف لم يكن نبياً، والعلم الذي عنده لم يكن مادياً، حتى يتوصل إليه بالبحث والتجربة، وإنما كان من الكتاب.
والصحيح من أقوال المفسرين: أن ذلك الرجل كان إنسيًا، ويدل عليه سياق الآية.
وقد جاء في سورة الكهف في قصة سيدنا موسى والخضر -عليهما السلام-: أن الله تعالى علَّمه من لدنه علماً، قال تعالى: فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65].
قال القرطبي: أَيْ عِلْمَ الْغَيْبِ. قال ابْنُ عَطِيَّةَ: كَانَ عِلْمُ الْخَضِرِ عِلْمُ مَعْرِفَةِ بَوَاطِنَ قَدْ أُوحِيَتْ إِلَيْهِ. والخضر -عليه السلام- نبي يوحى إليه، بدليل أنه قال لموسى: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82].
وعلى هذا؛ فلا يمكن الوصول إلى هذا النوع من العلم، لأنه غيب، ولا سبيل إليه إلا بالوحي من الله -تعالى-، وقد انقطع الوحي بعد نبيناً -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول [الجـن:26-27].
والخلاصة: أن العلم الذي وصل به آصف إلى الإتيان بعرش بلقيس، إن كان بالدعاء، وبأسماء الله -تعالى- وصفاته، فلا مانع من الوصول إليه من بعض عباد الله الصالحين، والكرامة للأولياء ثابتة عند أهل السنة بالكتاب والسنة، أما إذا كان ذلك بالوحي، فلا سبيل إليه، لأن الوحي قد انقطع.
والله أعلم.