الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة ذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد وذكرها علي محمد محمد الصلابي في كتابيه: الدولة الأموية وعوامل الازدهار، عمر بن عبد العزيز معالم التجديد... ولم نر من تعرض لتصحيحها أو تضعيفها.
والظاهر أن قصد يزيد بتوعد النصارى بأرض العرب منع ملك الروم من الاعتداء على قبر الصحابي الجليل وهو ما تم بالفعل، وليس هذا من باب الكذب، بل من باب التخويف والتحذير، ويؤيد هذا أنه لم يكن هو الخليفة يومئذ، بل الخليفة معاوية ـ رضي الله عنه ـ ولا يستطيع يزيد أن يفعل مثل هذا دون إذن معاوية ـ رضي الله عنه ـ فذلك أمرمستبعد جدا، ولو افترضنا أن يزيد كان جادا فيما توعد به وقدر له تنفيذه فليس عمله ذلك مرضيا عند المسلمين ولا يمثلهم فيه مثل سائر الأعمال التي قام بها بعد توليه الخلافة وهي غير مرضية.
ونص القصة كما في المصدر السابق قال: فلما مات ـ يعني أبا أيوب ـ أمر يزيد بتكفينه، وحمل على سريره، ثم أخرج الكتائب، فجعل قيصر يرى سريرا يحمل والناس يقتتلون فأرسل إلى يزيد: ما هذا الذي أرى؟ قال: صاحب نبينا، وقد سألنا أن نقدمه في بلادك، ونحن منفذون وصيته أو تلحق أرواحنا بالله، فأرسل إليه: العجب كل العجب! كيف يدهّي الناس أباك وهو يرسلك فتعمد إلى صاحب نبيك فتدفنه في بلادنا، فإذا ولّيت أخرجناه إلى الكلاب؟ فقال يزيد: إني والله ما أردت أن أودعه بلادكم حتى أودع كلامي آذانكم، فإنك كافر بالذي أكرمت هذا له، ولئن بلغني أنه نبش من قبره أو مثّل به لا تركت بأرض العرب نصرانيا إلا قتلته، ولا كنيسة إلا هدمتها! فبعث إليه قيصر: أبوك كان أعلم بك، فوحقّ المسيح لأحفظنّه بيدي سنة فلقد بلغني أنه بنى على قبره قبّة يسرج فيها إلى اليوم. انتهى.
أما عن حكم نشر القصة فلا بأس به، وعن حكم الكذب لإثبات القوة والمنعة.. فالأصل أن الكذب محرم في كل الأحوال، ورخص بعض العلماء في الكذب إذا كان يراد منه غرض محمود لا يتوصل إليه إلا به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 139250.
وراجع في الحلف على الكذب الفتوى رقم: 110634.
والله أعلم.