الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لا نجد لها أصلا في كتب السنة، ولم يذكرها أحد من أهل العلم فيما نعلم، وإنما اشتهرت لدى المتأخرين من الوعاظ والزهاد من غير أصل ولا إسناد، والحديث قد ثبت على وجه آخر سوى المذكور هنا.
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ !! فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ) . رواه أحمد والبخاري وأبو داود .
ولا حرج في البر والتلطف بالكافر، والتصدق عليه، دون موالاة ومحبة له بالقلب، إذا لم يكن محاربا. لقول الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8}. وينبغي للمسلم في زيارته للكافر والإحسان إليه أن ينوي بذلك دعوته إلى الاسلام، ومحاولة هدايته؛ كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه من النار.
وإن الإسلام قد وضع أسساً وضوابط عامة تحكم تعامل المسلم مع أصحاب الديانات الأخرى من يهود، ونصارى، وغيرهم إذا كانوا غير محاربين للمسلمين، ومن هذه الأسس:
أولاً: عدم الموالاة والمودة لمن كان على غير ملة الإسلام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء [الممتحنة:1].
ويدخل في هذه الموالاة: مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها، أو التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود.
ثانياً: الإحسان إليهم، ومعاملتهم بالعدل، ما داموا مسالمين، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8].
ثالثاً: جواز التعامل معهم بالبيع والشراء، والقرض، والرهن وغيرها من وجوه المعاملات الشرعية، وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير. وانظر فتوانا رقم: 19652.
فتلقين المريض الكافر الشهادتين أمر حسن، وهو من باب دعوته إلى الإسلام استنقاذا له من النار، فإنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة. متفق عليه.
وقال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: التلقين أن يذكره عنده ويقوله بحضرته، ويتلفظ به عنده حتى يسمع ليتفطن فيقوله، لا أن يأمره به ويقول: قل: لا إله إلا الله، إلا أن يكون كافراً فيقول له: قل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، وللغلام اليهودي. اهـ. وانظر فتوانا رقم: 161577.
وعليه؛ فيجوز زيارة أهل الكتاب وغيرهم لمقصد شرعي صحيح، إما لهدايتهم وعرض الإسلام عليهم، أو للتجارة معهم، أو لغيرها من الأمور المحتاج إليها في التعامل معهم.
والله أعلم.