الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بسطنا القول في الحديث الأول ـ أي حديث حذيفة ـ في الفتوى رقم: 107887، وبينا أن المراد من الحديث أنه تلزم طاعة الإمام وعدم الخروج عليه ولو ضرب الظهر وسلب المال، تفادياً لمنع تفرق المسلمين وحدوث ضرر أعظم.
كما بسطنا القول في روايات هذا الحديث وطرقه في الفتوى رقم: 53812.
وأما الحديث الثاني ـ أي حديث أبي هريرة ـ فهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم وغيره، والمراد من الحديث أن الصائل لأخذ المال محارب لا يعطى منه شيئا ولو أدى ذلك إلى مقاتلته وقتله، لما في تركه من إعانته على المنكر، قال القرطبي في المفهم: دليل على أن المحارب لا يجوز أن يعطى شيئا له بال من المال إذا طلبه على وجه الحرابة ما أمكن، لا قليلا ولا كثيرا، وأن المحارب يجب قتاله، ولذلك قال مالك: قتال المحاربين جهاد ـ وقال ابن المنذر: عوام العلماء على قتال المحارب على كل وجه، ومدافعته عن المال والأهل والنفس.
وقد سبق أن بينا حكم الصائل في الفتوى رقم: 80226.
وخلاصة الفرق بين الحديثين: أن مورد الأول منهما وجوب طاعة الإمام ولو سلب المال وضرب الظهر، ارتكابا لأخف الضررين، واحتمالا لأدنى المفسدتين، لأن شق عصا المسلمين أعظم من كل ضرر، وإن كان الإنكار عليه دون الخروج عليه أمر واجب، وأما الحديث الثاني فمورده وجوب مدافعة الصائل لأخذ المال، لأنه محارب معتد، وذلك تغيير للمنكر، لأن الإغضاء عنه مفسدة متمحضة.
والله أعلم.