الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقوة المحمودة شرعا هي قوة القلب وعزيمة النفس في طاعة الله، وهي القوة التي يتصف بها الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. أخرجه مسلم.
قال ابن الجوزي: الإشارة بالقوة ها هنا إلى العزم والحزم والاحتياط لا إلى قوة البدن، وقال النووي: المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وفي الصلاة والصوم وسائر العبادات. اهـ.
وقال ابن تيمية: أصل القوة قوة القلب الموجبة لمحبة الخير وبغض الشر، فإن المؤمن قوته في قلبه وضعفه في جسمه، والمنافق قوته في جسمه وضعفه في قلبه. اهـ.
وقوة البدن ليست محمودة لذاتها؛ بل لا تحمد إلا إذا كانت معينة على طاعة الله.
وتقوى الله وطاعته والاستغفار سبب لقوة البدن، كما قال تعالى على لسان هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ {هود:52}.
قال مجاهد: شدة إلى شدتكم.
وجاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق.
وقال ابن رجب في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك ـ ومن حفظ الله للعبد: أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله، وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بعقله وقوته، فوثب يومًا من سفينة كان فيها إِلَى الأرض وثبة شديدة، فعوتب عَلَى ذلك، فَقَالَ: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 177753.
وقد سبق بيان حرمة تمثيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وانظر ذلك في الفتويين رقم: 8238، ورقم: 65438.
والله أعلم.