الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن في تسليم وسوسة الجني للجني نظر، وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ـ فقال الفراء وجماعة: هو بيان للناس الموسوس في صدورهم، والمعنى يوسوس في صدور الناس الذين هم من الجن والإنس أي الموسوس في صدورهم قسمان إنس وجن، فالوسواس يوسوس للجني كما يوسوس للإنسي.
وضعف العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذا القول جدا، ومن وجوه تضعيفه له أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدور الجن ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي ويجري منه مجراه من الإنسي، قال: فأي دليل يدل على هذا حتى يصح حمل الآية عليه. اهـ
ثم ساق الأوجه في تضعيف هذا القول واستصوب القول الثاني في الآية وهو أن قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ـ بيان للذي يوسوس وأنهما نوعان إنس وجن، فالجني يوسوس في صدور الإنس والإنسي أيضا يوسوس إلى الإنسي، فإذا علمت هذا وعلمت أن وسوسة شيطان الجني للجني غير مسلمة فإنه على تقدير كونها واقعة طبقا للقول الأول في تفسير الآية، فإن هذا من الغيب الذي ستره الله تعالى عنا، ولا سبيل إلى اكتناه هذا الغيب إلا بنص من الوحي، فلنقف حيث أوقفنا الله تعالى، ولا نتكلف علم ما لا سبيل إلى العلم به.
والله أعلم.