الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل صرف ما وقف على المسجد من فرش أو غيره في حاجته، فإن استغنى المسجد عن الفرش صرف إلى مسجد آخر، ولا تصرف على الفقراء والمساكين ما دامت توجد مساجد تحتاجها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر، لأن الواقف غرضه في الجنس، والجنس واحد، فلو قدر أن المسجد الأول خرب ولم ينتفع به أحد صرف ريعه في مسجد آخر، فكذلك إذا فضل عن مصلحته شيء، فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه، ولا إلى تعطيله، فصرفه في جنس المقصود أولى، وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف، وقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه: أنه حض الناس على إعطاء مكاتب، ففضل شيء عن حاجته فصرفه في المكاتبين.
فإن لم تكن هناك مساجد تحتاج ذلك الفرش القديم أو وجدت لكن يتعذر صرفه إليها ويخشى عليه التلف والتآكل بسبب الحفظ والتخزين فلا حرج في صرفه لأولئك المحتاجين المشردين من المسلمين ليسدوا به حاجتهم، فإن زالت ردوه إلى المسجد، قال شيخ الإسلام أيضا: فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبهها، مثل صرفه في مساجد أخر، وفي فقراء الجيران ونحو ذلك، لأن الأمر دائر بين أن يصرف في مثل ذلك أو يرصد لما يحدث من عمارة ونحوه، ورصده دائما مع زيادة الريع لا فائدة فيه، بل فيه مضرة وهو حبسه لمن يتولى عليهم من الظالمين المباشرين والمتولين الذي يأخذونه بغير حق.
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد، إذا فضل منه الشيء أو الخشبة، قال: يتصدق به، وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تخرقت تصدق بها، وقال في الاستدلال لذلك، وروى الخلال بإسناده عن علقمة عن أمه أن شيبة بن عثمان الحجبي، جاء إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقال: يا أم المؤمنين، إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آبارا فندفنها فيها، حتى لا تلبسها الحائض والجنب، قالت عائشة: بئس ما صنعت، ولم تصب، إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب، ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن، فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة، وهذه قصة مثلها ينتشر ولم ينكر، فيكون إجماعا، ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين كالوقف المنقطع. انتهى.
والله أعلم.