الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتكبير الانتقال محله بين الانتقال إلى الركن والانتهاء منه، قال ابن قدامة في المغني: ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه، وانتهاؤه مع انتهائه. انتهى.
ومن ترك التكبير للركوع أو الرفع منه حتى سجد فقد فات محله ولا يجزئه ولا يشرع له الإتيان به لفوات محله، جاء في مطالب أولى النهي للرحيباني الحنبلي: وَمَحَلُّ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَالتَّسْمِيعِ وَكَذَا التَّحْمِيدُ لِمَأْمُومٍ بَيْنَ ابْتِدَاءِ انْتِقَالٍ وَانْتِهَائِهِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهُ، فَاخْتَصَّ بِهِ، فَلَوْ كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَحَلِّهِ، وَإِنْ شَرَعَ فِيهِ، أَيْ: الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ أَيْ: قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الِانْتِقَالِ، بِأَنْ كَبَّرَ لِسُجُودٍ قَبْلَ هَوِيِّهِ إلَيْهِ، أَوْ سَمَّعَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعٍ، لَمْ يُجْزِئُهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ، كَأَنْ أَتَمَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ، لَمْ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. انتهى.
وفي الشرح الممتع للشيخ ابن عثمين: يجب أن يكون التَّكبيرُ فيما بين الانتقالِ والانتهاءِ، حتى قال الفقهاءُ رحمهم الله: لو بدأ بالتَّكبير قبل أن يهويَ، أو أتمَّهُ بعد أن يَصِلَ إلى الرُّكوع، فإنه لا يجزئه، لأنهم يقولون: إنَّ هذا تكبيرٌ في الانتقال فمحلُّه ما بين الرُّكنين، فإنْ أدخلَه في الرُّكن الأول لم يصحَّ، وإن أدخله في الرُّكن الثاني لم يصحَّ، لأنه مكان لا يُشرع فيه هذا الذِّكرُ، فالقيامُ لا يُشرع فيه التَّكبيرُ، والرُّكوع لا يُشرع فيه التكبيرُ، إنما التكبيرُ بين القيام وبين الرُّكوعِ، ولا شَكَّ أن هذا القولَ له وجهة مِن النَّظر، لأن التَّكبيرَ علامةٌ على الانتقالِ، فينبغي أن يكون في حالِ الانتقال،
ولكن؛ القول بأنه إن كمَّلَه بعد وصول الرُّكوع، أو بدأ به قبل الانحناء يُبطلُ الصَّلاةَ فيه مشقَّةٌ على النَّاس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيراً مِن النَّاسِ لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبِّرُ قبل أن يتحرَّك بالهوي، ومنهم مَن يَصِلُ إلى الرُّكوعِ قبل أن يُكمل.
والغريب أن بعض الأئمة الجُهَّالِ اجتهد اجتهاداً خاطئاً وقال: لا أكبِّرُ حتى أصل إلى الرُّكوع، قال: لأنني لو كبَّرت قبل أن أَصِلَ إلى الرُّكوع لسابقني المأمومون، فيهوُون قبل أن أَصِلَ إلى الرُّكوع، وربما وصلوا إلى الرُّكوع قبل أنْ أَصِلَ إليه، وهذا مِن غرائب الاجتهاد؛ أن تُفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأموراً بأن يسابقك، بل أُمر بمتابعتك.
ولهذا نقول: هذا اجتهادٌ في غير محلِّه، ونُسمِّي المجتهدَ هذا الاجتهاد: «جاهلاً جهلاً مركَّباً»؛ لأنه جَهِلَ، وجَهِلَ أنه جاهلٌ.
إذاً؛ نقول: كَبِّرْ مِن حين أن تهويَ، واحرصْ على أن ينتهي قبل أن تَصِلَ إلى الرُّكوع، ولكن لو وصلت إلى الرُّكوع قبل أن تنتهي فلا حرجَ عليك، والقولُ بأن الصَّلاةَ تفسدُ بذلك حَرَج، ولا يمكن أن يُعملَ به إلا بمشقَّةٍ.
فالصوابُ: أنه إذا ابتدأ التَّكبيرَ قبل الهوي إِلى الرُّكوعِ، وأتمَّه بعدَه فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمَّه بعد وصولِهِ إلى الرُّكوعِ فلا حَرَجَ، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الرُّكنين بحسب الإمكان. وهكذا يُقال في: «سمعَ الله لمن حمده» وجميعِ تكبيرات الانتقال. أمَّا لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الرُّكن الذي يليه فإنه لا يعتدُّ به. انتهى كلامه وقد نقلناه بتمامه مع طوله لما فيه من فوائد
وتكبيرات الانتقال من واجبات الصلاة عند الحنابلة ومن تركها ناسيا فعليه سجود السهو، ومن عطس أثناء الانتقال من ركن إلى آخر فالواجب في حقه أن ينتظر فراغه من العطاس ثم يكبر تكبيرة الانتقال، فإذا تركها عامدا فقد بطلت صلاته، وإن تركها جاهلا فصلاته صحيحه، لكن يلزمه سجود السهو، جاء في المبدع في شرح المقنع على الفقه الحنبلي متحدثا عن واجبات الصلاة: من ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته، لأنها واجبة أشبهت الأركان، ومن تركه سهوا أو جهلا، نص عليه سجد للسهو، لأنه عليه السلام لما ترك التشهد الأول سجد له قبل أن يسلم، متفق عليه من حديث عبد الله بن بحينة، ولولا أنه واجب لما سجد لجبره، لأنه لا يزيد في الصلاة زيادة محرمة لجبر ما ليس بواجب، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه. انتهى.
وراجع المزيد في الفتويين رقم: 96155، ورقم: 126200.
ومذهب الجمهور أن التكبير للانتقال مستحب، ولا تبطل الصلاة بتركه عمدا ولا سهوا، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 144847.
والله أعلم.