الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الآية: وأعدوا لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه من عدد وعدة، لتدخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم، وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرا يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة، وأنتم لا تنقصون من أجر ذلك شيئا.
والقوة فسرت بالرمي كما جاء عند مسلم من حديث عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} "ألا إن القوة الرمي"، ثلاثا.
وقد ذكر أهل العلم أن الرمي أمر أساسي، ولكن كل ما يتقوى به على الأعداء، وتحصل به النكاية فيهم يدخل في عموم الآية، كما يدخل في الإعداد صنع الأسلحة والمراكب الحديثة، والتكوين للأشخاص، وتدريبهم على المهارات الحربية.
فقد قال السعدي:{ وأعدوا } لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم. { ما استطعتم من قوة } أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية، والبدنية، وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ألا إن القوة الرمي } ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: { ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب. {وقوله: } ترهبون به عدو الله وعدوكم { ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. } وآخرين من دونهم لا تعلمونهم { ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به } الله يعلمهم فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم، ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك: وما تنفقوا من شيء في سبيل الله قليلا كان أو كثيرا يوف إليكم { أجره يوم القيامة مضاعفا أضعافا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل الله، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.} وأنتم لا تظلمون أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئا. اهـ
وراجع الفتوى رقم: 128195 والفتوى رقم :29268
والله أعلم.