الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الوساوس إذا طرأت على المسلم بدون قصد، ولم يسترسل معها، ولم يتحدث بها بل كرهها وأبغضها بقلبه، فإنها لا تضره ولا يحاسب عليها، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. متفق عليه. وانظر فتوانا رقم: 19691.
ويستعين المسلم على دفع ذلك بالوسائل التي تقوي الإيمان، ومنها: تلاوة القرآن الكريم، والتأمل في الآيات التي تتناول موضوع العقيدة والإيمان، وبمجالسة الأخيار من أهل العلم و الصالحين، وحضور مجالس العلم، وبالتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من أعمال الخير. ثم عليه أن يتأمل في نفسه، وفي هذا الكون من حوله، فكل ما فيه شاهد على وجود الله عز وجل، وأنه الخالق المنفرد. فإذا فعل ذلك بصدق وإخلاص، فإنه سيجد نتيجة ذلك، ويذهب عنه ما يجد إن شاء الله تعالى، فإن الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً، يقول في محكم كتابه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]. كما عليه أن يتيقن وقوفه بين يدي ربه تعالى، فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة قد سجلها الكتبة الحافظون، كما قال سبحانه: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:53]. وليكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. وانظري فتوانا رقم: 28748.
فأكثري من قراءة الإخلاص، والمعوذتين دائماً، وداومي على أذكار الصباح والمساء. وانظري فتوانا رقم: 51601.
فلو فعلت هذه الأمور فسيأتيك الخشوع والسكينة بإذن الله تعالى، ولن يرجعك إلى مرضاة الله إلا اجتهادك في طاعته والتوبة الدائمة إليه من كل ذنب وتقصير. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 53، 54]. ولا يضرك بعدك السابق عن الله وكثرة معاصيه، ما دام أنك تبت وأحسنت التوبة، وهذا أمر يفرح الله تعالى به منك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة أحدكم من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة، معه راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها، فخرج في طلبها حتى إذا أدركه الموت قال: أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه، فرجع إلى مكانه فغلبته عينه، فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وما يصلحه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
واعلمي أنه لا يرجع غيرتك على دينك أفضل من الابتعاد عن المعاصي، والنفور منها وبغضها، ومحاربتها، والإنكار على من أظهرها, والصبر على طاعة الله، والاستمرار في الالتزام والتمسك بالدين ومسائله مهما اشتدت على المسلم في الظاهر.
والله أعلم.