الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمع بين نية العبادة ونية ما ليس بعبادة لا يبطلها ما دامت نية العبادة هي الغالبة، ولا يأثم من نوى ذلك، وليس هذا من الرياء؛ فالرياء أن يقصد مدح الناس وتعظيمهم. لكن لا شك أن تجريد النية دون التفات لغيرها أعظم في الثواب، وأن الالتفات لغير العبادة ينقص ثوابها.
قال الشاطبي: فحظوظ النفوس المختصة بالإنسان لا يمنع اجتماعها مع العبادات، إلا ما كان بوضعه منافيا لها، كالحديث والأكل، والشرب، والنوم، والرياء، وما أشبه ذلك، أما ما لا منافاة فيه، فكيف يقدح القصد إليه في العبادة؟ هذا لا ينبغي أن يقال، غير أنه لا ينازع في أن إفراد قصد العبادة عن قصد الأمور الدنيوية أولى، ولذلك إذا غلب قصد الدنيا على قصد العبادة كان الحكم للغالب، فلم يعتد بالعبادة، فإن غلب قصد العبادة فالحكم له، ويقع الترجيح في المسائل بحسب ما يظهر للمجتهد. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: فأما من طلبها - أي الزوجة - مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة، لكن دون ثواب من أخلص.. ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت تزوجتك، فأسلم، فتزوجته. وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه، وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح، فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية، أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم، واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، أو الديني أجر بقدره، وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر. اهـ بتصرف يسير.
وقال السيوطي: ما لو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته؛ لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى قصد. اهـ.
وجاء في غمز عيون البصائر من كتب الحنفية: لو نوى الصوم والحمية أو التداوي، فالأصح الصحة، لأن الحمية أو التداوي حاصل قصده أم لا، فلم يجعل قصده تشريكا وتركا للإخلاص، بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها، لأن من ضرورتها حصول الحمية أو التداوي؛ ولو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى قصد. اهـ.
والله أعلم.