الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا ندري حال معبر الرؤيا ومهارته في التعبير, ولكن الرؤيا لا يثبت بها حكم ولا أمر، ولا تحديد عمر، ولا يمكن القطع بتحققها في تحديد العمر؛ لأنها قد تصدق وقد لا تصدق, ولأن تحديد الآجال مما لا سبيل إلى القطع به؛ لأنه من علم الغيب الذي اختص الله به, كما في الحديث الذي جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ, قال ابن حجر في الفتح: قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث....وقال ابن مسعود: أوتي نبيكم علم كل شيء سوى هذه الخمس.. انتهى, وقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن, يفهم من الحديث أن رؤيا المؤمن يغلب عليها الصدق إذا تقارب الزمان، وغلبة الصدق دالة على احتمال الكذب, مع احتمال ان المعبر قد لا يصيب الحق في تعبيرها, ولذا حرج أهل العلم في تعبيرها لمن لا يحسن التعبير.
قال ابن عبد البر في التمهيد: قيل لمالك - رحمه الله -: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت، قيل: فهل يعبرها على الخير، وهي عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما أولت عليه؟ فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة. انتهى.
والله أعلم.