الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر هذا الدين, وهو واجب على مراتب، بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. فإذا عجز المسلم عن إنكار المنكر بيده ولسانه؛ لعدم استطاعته ذلك، أو لما ينزل به من ضرر غير محتمل، أو لما قد يترتب على ذلك من مفسدة أكبر من المنكر الذي ينكره، فهو معذور في ترك ذلك الإنكار، ولينتقل إلى المرتبة الثالثة وهي الإنكار بالقلب، ولا يلحقه في هذه الحالة إثم. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 120542، 138431، 112141.
ويبقى النظر في حال السائل لمعرفة حقيقة طرده من العمل إذا نهى عن المنكر بلسانه، ولتقدير المفسدة المترتبة على ذلك؛ فإن كان طرده من عمله حقيقة مبنية على أمر واقع، وكان هو العائل لنفسه أو لأسرته، ويغلب على ظنه أنه لا يجد عملا غيره، مما سيؤدي إلى ضياعه أو ضياع من يعول، أو وقوعهم في ضيق وحرج يصعب تحمله، فهو معذور في الاكتفاء بالنهي عن المنكر بقلبه. بخلاف ما إذا كان الطرد من العمل مجرد وهم أو ظن ضعيف، أو كان بمقدوره الاستغناء عن العمل أو الحصول على غيره، فلا يسعه الاكتفاء بالإنكار بالقلب. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 186525.
والله أعلم.