الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فيجوز للابنين اللذين أدانا والدهما أن يأخذا دينهما من التركة قبل قسمتها بين الورثة, وليس للابن الثالث أن يعترض, وجمهور أهل العلم على جواز مطالبة الابن أباه بالدين الذي له عليه, كما بيناه ورجحناه في الفتوى رقم: 111501, وحتى الحنابلة الذين منعوا من ذلك قالوا بجواز أخذه من التركة بعد موت الأب, وهذا أحد القولين عندهم, وقدمه ابن قدامة في المغني فقال - رحمه الله تعالى -: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ, وَبِهِ قَالَ: الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ, وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَجَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَغَيْرِهِ ..... وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ رَجَعَ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ ... اهــ
وقال المرداوي في الإنصاف: وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ .. اهــ.
فللابنين المشار إليهما الحق في أخذ دينهما من التركة قبل قسمتها بين الورثة, ثم يأخذان نصيبهما من الميراث, وليس للابن الثالث أن يعترض على ذلك, ولا أن يطالب بمثل ما أخذه أخواه المقرضان؛ لأنهما لم يأخذا قدرًا زائدًا عن نصيبهما في الميراث, وما ظنه قدرًا زائدًا هو في الحقيقة ليس نصيبًا من الميراث, وإنما دين وحق لهما على التركة, والقدر الزائد الذي أخذه الابن الصغير لا يحل له؛ لأنه أخذه بغير وجه حق, وقوله لو كان كبيرًا لأقرض أباه فهذا ادعاء لا عبرة به, ولا تترتب الأحكام الشرعية على ظنون لم تقع.
والله تعالى أعلم.