الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لوالدتك الشفاء والعافية، ثم لتعلم والدتك - عافاها الله - أن ما يصيبها من الألم والمرض خير لها - إن شاء الله - فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له, وإن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرًا يصب منه. رواه البخاري.
فلتصبر على ما يصيبها من ألم, ولتعلم أن ثواب الصبر عظيم, وعاقبته حميدة، وقد أخبر تعالى أنه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب, وأن لهم منه الصلوات والرحمة, وأنهم هم المهتدون, وما يصيبها من المصائب: إما كفارة لذنوب سابقة, أو رفع لمنزلتها عند الله تعالى, فلتستبشر ولتأمل الخير العظيم عند الله تعالى, فإنه سبحانه يحب الصابرين، وقد تكون لها عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بصالح عمل, فقدر الله عليها هذا البلاء ليوصلها إلى ما لم تكن تصل إليه لولا البلاء، وقد قال بعض السلف: لولا المصائب لوردنا القيامة مفاليس.
فهنيئًا لوالدتك رضا والديها عنها, وهنيئًا لها محافظتها على الفرائض, وهنيئًا لها ثواب ما ابتلاها الله به إن هي صبرت واحتسبت.
ولا يجوز لها أن تتمنى الموت لهذا الضر الذي نزل بها, ولكن تدعو بما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
ولتلجأ إلى الله تعالى, ولتجتهد في دعائه بأن ييسر لها الخير حيث كان, فإن الخير كله بيديه سبحانه, ولتعلم أنها إن حملت نفسها على الصبر وتحمل المشاق رزقها الله الصبر, وهون عليها ما تلقاه من الآلام, فقد قال صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. متفق عليه.
فوالدتك - إن شاء الله - على خير عظيم، وليس ما نزل بها غضب من الله عليها - إن شاء الله - بل نرجو أن يكون ذلك كرامة لها, ولطفًا من الله تعالى بها, ومنحة منه يبلغها بها الدرجات العالية في جنته ودار كرامته.
والله أعلم.