الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بين ظاهر هذين الحديثين ملمح تعارض، ووجه إشكال، ومصدر الإشكال فيه: "أتعجبون من غيرة سعد"
قال الحافظ ابن حجر: قَوْلُهُ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ تَمَسَّكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ مَنْ أَجَازَ فِعْلَ مَا قَالَ سَعْدٌ, وَقَالَ إِنْ وَقَعَ ذَلِكَ ذَهَبَ دَمُ الْمَقْتُول هدرًا نقل ذَلِك عَن ابن الْمَوَّازِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ, وفهم الأكثر من هذه اللفظة خلاف ما تقدم.
قال أبو عمر بن عبد البر: يريد - والله أعلم - أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه, وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله, وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير.
قال المهلب: يدل على وجود القود فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأته؛ لأن الله تعالى وإن كان أغير من عباده فإنه قد أوجب الشهود في الحدود, فلا يجوز لأحد أن يتعدى حدود الله، ولا يسفك دمًا بدعوى.
وقال ابن بطال: ففي هذا من الفقه قطع الذرائع, والتسيب إلى قتل الناس والادعاء عليهم بمثل هذا وشبهه، وفى حديث سعد من رواية مالك: النهى عن إقامة الحدود بغير سلطان وبغير شهود؛ لأن الله تعالى عظم دم المسلم, وعظم الإثم فيه، فلا يحل سفكه إلا بما أباحه الله به، وبذلك أفتى علي بن أبى طالب فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأته, فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء؛ فليعط برمته, أي يسلِّم برمته للقتل، وعلى هذا جمهور العلماء.
ونقل عن الشافعي قوله: وبحديث علي نأخذ، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم قبلنا مخالفًا له, قال ابن المنذر: وقد حرم الله دماء المؤمنين في كتابه إلا بالحق، فغير جائز إباحة ما ثبت تحريمه إلا ببينة، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم سعدًا أن يقتل حتى يأتي بأربعة شهداء، وفي نهي النبي له عن ذلك مع مكانه من الثقة والصلاح دليل على منع جميع الناس من قتل من يَدّعون إباحة قتله بغير بينة.
والله أعلم.