الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى بمقتضى ربوبيته للناس جميعًا يسمع الدعاء ممن دعاه من عباده مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، ولا يمنعه كفر الكافر ولا فجور الفاجر من أن يجيبه متى شاء، يقول الدكتور جيلان بن خضر العروسي: إن إجابة الدعاء من مقتضى الربوبية, وهي شاملة للخلق مؤمنهم وكافرهم، فهو يربيهم بالنعم، ومنها: إجابة الدعاء, وإغاثة الملهوف, وإعانة المكروب, وإزالة الشدائد, وكشف الكربات، قال تعالى: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { الرحمن: 29}, ثم إن الله تعالى قد أجاب دعوة شر خلقه وهو إبليس، قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: لا يمنعن أحدًا ما يعرفه من نفسه من الدعاء، فإن الله قد أجاب دعوة شر خلقه إبليس. هـ.
ونقل عن الشيخ السعدي قوله: ومن براهين وحدانية الباري وربوبيته إجابته للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه للسائلين, وما يجيب به أدعية الداعين من بر وفاجر ومسلم وكافر، تحصل المطالب الكثيرة, ولا يعرفون لها شيئًا من الأسباب سوى الدعاء, والطمع في فضل الله, والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس لا ينكره إلا مباهت مكابر. هـ.
أما عن صلة الدعاء والصلاة بالرزق: فإن أصل الرزق من قضاء الله تعالى وقدره، يبسط لمن يشاء، ويقدر على من يشاء، ومع هذا فلا شك أن للمعصية أثرًا بالغًا على رزق العبد وسعادته، فكم شقيت نفس سعيدة، وكم ضاق صدر رحب، وكم تنغصت لذة عيش رغيد، بسبب الذنب يقترفه العبد، والعكس بالعكس, فكم سعادة وكم طمأنينة وكم راحة يحققها العبد في طاعة الله عز وجل وتقواه, وراجع للبسط في هذه المعاني الفتاوى التالية أرقامها: 69056 / 46551 / 184229.
وأما ما ذكرت من فقر المطيع وغنى العاصي: فلا يمكن الاستدلال بعطاء الدنيا على محبة الله تعالى واصطفائه، بل محبة الله إنما تكون بطاعته والانقياد لأوامره ونواهيه امتثالًا واجتنابًا، يقول الألوسي: وأما كثرة المال، وسعة الرزق، وعيش الرخاء، فلا دليل فيه على نجاة المنعَم عليه بمثل ذلك، ولو كانت الدنيا وما فيها تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى من عصاه شربة ماء، قال سبحانه: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون} [الزخرف: 33], وراجع الفتويين التاليتين: 40377 / 6061.
والله أعلم.