الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأولى هو كون الأئمة هم أفضل الموجودين بالحي علمًا وفقهًا وفهمًا للقرآن والسنة, مع التمسك بالمعتقد الصحيح, ولكن عدم وجود الإمام المرضي لا يعتبر عذرا يبرر به ترك الصلاة في الجماعة؛ إذ الراجح عند المحققين أن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاة الناس خلفه، فمن لم يجد إلا إمامًا فاسقًا أو مبتدعًا فلا يسوغ له أن يتخلف عن الجماعة ويصلي ببيته بسببه, ففي البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصلون لكم, فإن أصابوا فلكم, وإن أخطأوا فلكم وعليهم, وفي رواية لأحمد بسند صحيح - كما قال ابن حجر - فإن أصابوا فلكم ولهم, وفي البخاري أن الحسن البصري قال في إمامة المبتدع: صل وعليه بدعته.
وروى البخاري في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ, وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى, وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ, فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ, فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ...اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى: والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورًا لا يرتب إمامًا للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب....... انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا في الصلاة خلف المبتدع جماعة في المسجد: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْفَاجِرِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا؛ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا, وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ بِلَا رَيْبٍ ... اهـ .
وقال أبو الحسن ابن بطال في شرح البخاري: واختلف العلماء في الصلاة خلف الخوارج وأهل البدع، فأجازت طائفة الصلاة خلفهم، روي عن ابن عمر أنه صلى خلف الحجاج، وصلى خلفه ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وخرج عليه، وقال الحسن: لا يضر المؤمن صلاته خلف المنافق، ولا تنفع المنافق صلاة المؤمن خلفه, وقال النخعي: كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا، وكان أبو وائل يجمع مع المختار, وقال جعفر بن برقان: سألت ميمون بن مهران عن الصلاة خلف رجل يذكر أنه من الخوارج؟ فقال: أنت لا تصلي له إنما تصلي لله، قد كنا نصلي خلف الحجاج، وكان حروريًا أزرقيًا، وأجاز الشافعي الصلاة خلف من أقام الصلاة، وإن كان غير محمود في دينه, وكرهت طائفة الصلاة خلفهم، وروى أشهب عن مالك قال: لا أحب الصلاة خلف الإباضية، والواصلية، ولا السكنى معهم في بلد .. اهــ.
وأما من تيقن كفره بأن ثبت عليه أنه صدر منه ما يكفر به, وأقيمت عليه الحجة وبقي مصرًّا على ذلك, فمثل هذا لا يصلى خلفه, فقد جاء في الروض مع حاشيته: لا تصح - أي الصلاة - خلف كافر سواء كان أصليًا أو مرتدا، وسواء كان كفره ببدعة أو غيرها، ولو أسره فإنها لا تصح لنفسه، فلا تصح لغيره. انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله -: هل تصح الصلاة خلف من عرف بدعاء غير الله؟ وما حكم من يصلي خلفه؟ فأجاب بقوله: من صلى خلف من يشرك بالله لا تصح صلاته، ما دام يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله، لا يصلى خلفه عند أهل العلم، لا يصلى خلف الكافر، ولا تصح الصلاة خلف الكافر، إنما الخلاف في الفاسق أما الكافر فلا. انتهى.
والله أعلم.