الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما من أسلم بعد بلوغه فإنه لا يلزمه قضاء شيء من الصلوات التي تركها حال كفره؛ فإن الإسلام يجب ما قبله، وهذا في الكافر الأصلي إجماع، وهو محل خلاف في المرتد، ولعل الراجح أنه كالأصلي لا يلزمه القضاء.
قال الموفق رحمه الله: وأما الكافر فإن كان أصليا لم يلزمه قضاء ما تركه مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي حَالِ كُفْرِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَأَسْلَمَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَبَعْدَهُ، فَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِقَضَاءٍ، وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ تَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَعُفِيَ عنه. انتهى.
وأما من كان مسلما وترك الصلاة عمدا مدة ولو طالت، ففي وجوب القضاء عليه خلاف بين العلماء، وهي من المسائل المشهورة، وقد ذكرنا طرفا من بيان هذا الخلاف في الفتوى رقم: 128781 وفيها طرف مما استدل به الموجبون للقضاء، ويظهر أنك لا تستشكلين وجوب قضاء ما فوته الشخص من صلوات بعد التزامه بالصلاة، ولا فرق البتة بين أن يلزم الشخص بقضاء صلاة تركها في حال التزامه بالصلاة وبين قضاء ما هو أكثر من ذلك ولو صلاة سنين إذا كان مخاطبا بالصلاة مأمورا بفعلها ثم قصر وتهاون في أدائها، وكون العلاقة بين الله وعبده أساسها الإيمان والتقوى لا يعارض لزوم القضاء بحال، فإن الموجبين للقضاء يجعلون قضاءه للصلوات من تمام الإيمان والتقوى، فهو إن ترك القضاء وفرط فيه لم يكن عندهم مؤمنا الإيمان الكامل وإن كان معه أصل الإيمان؛ فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو معلوم.
هذا، وننبهك على أنه لا ينبغي الخوض في الكلام في أحكام الشريعة بالرأي المجرد، بل لا بد من رد الأمر إلى أهله وهم أهل العلم الحاذقون به القعيدون فيه، فيجب الرجوع إليهم والصدور عن أقوالهم والاعتماد على ما يقررونه.
والله أعلم.