الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنية التي يتكلم عنها أهل السلوك، والتي قرأت عنها في منهاج القاصدين غير النية التي يتكلم عليها الفقهاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والنيَّةُ شرطٌ في جميع العبادات. والكلامُ على النيَّة من وجهين: الأول: من جهة تعيين العمل ليتميَّز عن غيره، فينوي بالصَّلاة أنَّها صلاة وأنَّها الظُّهر مثلاً، وبالحجِّ أنه حجٌّ، وبالصِّيام أنَّه صيام، وهذا يتكلَّم عنه أهل الفقه. الثَّاني: قصدُ المعمول له، لا قصد تعيين العبادة، وهو الإِخلاص وضدُّه الشِّرك، والذي يتكلَّم على هذا أرباب السُّلوك في باب التَّوحيد وما يتعلَّق به، وهذا أهمُّ من الأوَّل، لأنَّه لُبُّ الإِسلام وخلاصة الدِّين، وهو الذي يجب على الإِنسان أن يهتمَّ به. انتهى.
فالكلام المذكور في شأن النية عن الغزالي إنما يدل على ضرورة الاجتهاد في إخلاص العبادة لله، واستحضار عظمته سبحانه وإرادة وجهه بكل عمل، وهذا وإن احتاج إلى يقظة وانتباه لتلافي آفات العمل من الرياء ونحوه، فإن الوسوسة قد تعرض للعبد في هذا الباب أيضا فيتصور أن كل ما يفعله من الرياء وأنه غير مخلص لله، وقد يترك كثيرا من الطاعات حذرا من هذا الأمر، وهذا هو ما حذر منه أهل العلم فنهوا عن ترك العمل خوف الرياء، بل يجتهد العبد في تحقيق الإخلاص، ويجتهد كذلك في فعل الطاعات ويسأل الله القبول سادا على نفسه باب الوسوسة، معرضا عما يلقيه الشيطان في قلبه من هذه الخواطر وتلك الأوهام.
وأما النية بالمعنى الثاني، وهي التي تتعلق بتمييز العمل، فهي التي تكلم عنها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والقول هو ما قاله الشيخ في شأنها، فدع عنك الوساوس مهما تصورت لك وفي أي شكل عرضت لك، واعلم أن الله تعالى لم يجعل علينا في الدين من حرج، ولم يكلفنا إلا وسعنا وله الحمد والمنة، واسترسالك مع الوساوس واستجابتك لها مما يكرهه الله؛ لمنافاته الحنيفية السمحة التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فاجتهد في الإعراض عن الوساوس فإنه لا علاج لها إلا هذا. وانظر الفتوى رقم: 51601 ورقم: 134196.
والله أعلم