الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلو كان المراد من الآية النصَّ على عددهم باعتبار واحد لذكره الله تعالى، ولكن مقاصد القرآن تنأى عن مثل هذا المراد الضيق، وتتجه إلى التنبيه على المعاني الكلية, وموضع الفائدة والعبرة، وهي ههنا بيان كثرة عدد القوم الذين أرسل إليهم نبي الله يونس - عليه السلام - أو أن عددهم يختلف باختلاف اعتبار العدِّ أو العادِّ، قال الألوسي في روح المعاني: المقصود بيان كثرتهم, أو أن الزيادة ليست كثيرة كثرة مفرطة، كما يقال: هم ألف وزيادة, وقال ابن كمال: المراد يزيدون باعتبار آخر؛ وذلك أن المكلفين بالفعل منهم كانوا مائة ألف، وإذا ضم إليهم المراهقون الذين بصدد التكليف كانوا أكثر، ومن هاهنا ظهر وجه التعبير بصيغة التجدد دون الثبات, وتعقب بأنه مع أن المناسب له الواو تكلف ركيك، وأقرب منه أن الزيادة بحسب الإرسال الثاني, ويناسبه صيغة التجدد .. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: المرسل إليهم: اليهود القاطنون في نينوى في أسر الآشوريين كما تقدم, والظاهر أن الرسول إذا بعث إلى قوم مختلطين بغيرهم أن تعم رسالته جميع الخليط؛ لأن في تمييز البعض بالدعوة تقريرًا لكفر غيرهم؛ ولهذا لما بعث الله موسى - عليه السلام - لتخليص بني إسرائيل دعا فرعون وقومه إلى نبذ عبادة الأصنام، فيحتمل أن المقدرين بمائة ألف هم اليهود، وأن المعطوفين بقوله: (أو يزيدون) هم بقية سكان نينوى. اهـ.
وقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير في معنى (أو) ثلاثة أقوال لأهل العلم من المفسرين واللغويين، فقال:
أحدها: أنها بمعنى «بل»، قاله ابن عباس والفراء.
والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة، وقد قرأ أبيّ بن كعب, ومعاذ القارئ, وأبو المتوكل, وأبو عمران الجوني: «ويزيدون» من غير ألف.
والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم، إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون. اهـ.
وجاء في تفسير القرطبي: قال المبرد: المعنى وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائة ألف أو أكثر، وإنما خوطب العباد على ما يعرفون, وقيل: هو كما تقول: جاءني زيد أو عمر وأنت تعرف من جاءك منهما, إلا أنك أبهمت على المخاطب, وقال الأخفش والزجاج: أي: أو يزيدون في تقديركم. اهـ.
وقال الأستاذ محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: قال الفراء: الإخبار الأول بحسب ما يظهر للناس؛ ليندفع الاعتراض بأنه كيف يجوز الإضراب مع كونه عالمًا بعددهم, وأنهم يزيدون، فهو إخبار منه تعالى بناء على ما يحزر الناس من غير تحقيق، ثم أخذ في التحقيق مضربًا عما يغلط فيه الناس بناء على ظاهر الحزر. اهـ.
وقال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: وردت الزِّيادة على وجوه مختلِفة في القرآن: كزيادة نُفْرة قوم نوح من دعواهم: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعائي إِلاَّ فِرَارًا} ... زيادة كيل القوت من يوسف لإِخوته: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}, زيادة العَدَد من قوم يونس: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ... اهـ.
والله أعلم.