الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام زوجك قد تزوج عليك امرأة أخرى فلا يحل ولا يحق لك ولا لوالدك ولا لغيركما إلزامه بطلاقها إذا كان قائماً بما أوجب الله عليه من العدل بينكما في النفقة والمسكن والمبيت ونحو ذلك، لأن الله تعالى أباح للرجل أن يجمع بين أربع نسوة دون أن يلزمه باستئذان أحد، قال تعالى: ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء:3] أي: تجوروا.
إلا أنه ينبغي للرجل أن يتفق مع من معه من الزوجات إذا أراد الزواج بامرأة جديدة دفعاً للمشاكل وتطييباً للخاطر ومراعاة للعاقبة، وإذا ثبت أن أم زوجك وإخوته أقنعوه بالزواج بأخرى لأجل إغاظتك أو إلزامك بالخدمة ونحو ذلك، فكل هذا لا يضيرك شيئاً، بل عليك طاعة زوجك في المعروف، وفي حدود قدرتك، وفيما لا يضر بك، ولا يحق له أن يأمرك بمعصية، أو بما فيه ضرر عليك، أو إلزامك بخدمة زوجته الجديدة، وجعلك كالخادمة عندها ونحو ذلك، فلا طاعة له في ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه أحمد، وصححه السيوطي.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه السيوطي وغيره.
وعليه، فلا يجوز طلب طلاقها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها" متفق عليه.
وإذا رغب زوجك بطلاقها، فلا يجوز له أن يطلقها ثلاثاً مرة واحدة أو في حيض أو في طهر جامعها فيه، ولكن يطلقها واحدة في طهر لم يجامعها فيه، هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد طلق عبد الله بن عمر زوجته وهي حائض، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبين له الطريقة الصحيحة للطلاق، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء" أي: طاهراً لم تجامع في هذا الطهر أو حاملاً، كما في رواية مسلم: " ثم ليطقها طاهراً أو حاملاً ".
وأما دليل تحريم جمع الطلقات الثلاث، فلما رواه النسائي عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان، ثم قال: "أيلعب بكتاب الله، وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل وقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟ .
وإذا قدر أنه قد طلقها ثلاثاً، فإنه يكون قد ارتكب إثماً، وبانت منه زوجته بينونة كبرى، لما رواه أبو داود، وصححه ابن حجر عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه، فقال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول يا ابن عباس، يا ابن عباس إن الله قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق:2]. وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً. عصيت ربك وبانت منك امرأتك .وإذا طلقها واحدة، فإن عليه العدة ثلاث حيضات، أو وضع الحمل إن كانت حاملاً، ولا يجوز له أن يخرجها من بيتها، لقوله تعالى: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الطلاق:1]. وتجب لها النفقة والسكنى، وله أن يراجعها ما دامت في العدة، وأما إذا كان قد طلقها ثلاثاً فلا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً، لقول الله تعالى: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [الطلاق:6]. ولا رجعة له عليها، لأنها بانت منه بينونة كبرى، وإذا طلقها طلاقاً رجعياً وانقضت عدتها أو طلقها طلاقاً بائناً فلا يجوز لها أن تبقى معه، ولا يحل له أن ينظر إليها، ولا أن يسافر بها لأنها أصبحت أجنبية عنه، ولكن يجوز أن تبقى عند والده فترة زمنية للحاجة، ثم يسافر بها إلى أهلها هو وأبوه لأجل أن يعتذر منهم.
والله أعلم.