الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا - والله أعلم - أن الخلع قد وقع صحيحًا, وبانت منك زوجتك به, فلا تملك رجعتها، ولا عبرة بكون عمها لم يقصد الصلح, أو كونه جاهلًا بأحكام الشرع، فما دمت قد رضيت بفراق زوجتك على أن تتنازل لك عن منقولاتها, وخرجت زوجتك تاركة لك المنقولات فقد وقع الخلع، فإن العبرة في العقود بالمقاصد والنيات، وقد اعتبر بعض الفقهاء مجرد بذل العوض من المرأة خلعًا، قال الحطاب المالكي - رحمه الله -: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ, بَلْ تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ, وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا فَانْقَلَبَتْ، وَقَالَ: ذَلِكَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُسَمَّيَا طَلَاقًا فَهُوَ خُلْعٌ. انْتَهَى.
وجاء في المغني لابن قدامة - رحمه الله -: فإذا قبل الفدية، وأخذ المال، انفسخ النكاح؛ لأن إسحاق بن منصور روى, قال: قلت لأحمد: كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال، فهي فرقة, وقال إبراهيم النخعي: أخذ المال تطليقة بائنة, ونحو ذلك عن الحسن, وعن علي - رضي الله عنه - من قبل مالًا على فراق فهي تطليقة بائنة، لا رجعة له فيها.
وعليه؛ فما دامت زوجتك قد بانت منك فلا تملك رجعتها إلا بعقد جديد، وما وقع منك من طلاقها فهو باطل، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ بِحَالٍ, وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَابْنُ الزُّبَيْرِ, وَعِكْرِمَةُ, وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ, وَالْحَسَنُ, وَالشَّعْبِيُّ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَإِسْحَاقُ, وَأَبُو ثَوْرٍ .......... وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَاجِهَهَا بِهِ, فَيَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ, أَوْ لَا يُوَاجِهَهَا بِهِ, مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ.
ومثل هذه المسائل ينبغي أن تعرض على المحكمة الشرعية - إن وجدت - وإلا فعلى أهل العلم الموثوقين الذين يمكنك مشافهتهم في المراكز الإسلامية.
وأما عن ذهاب المرأة إلى الأعراس بغير إذن زوجها فغير جائز، ولا يجوز لها أن تخرج من بيتها إلى أي موضع - لغير ضرورة - إلا بإذن زوجها, وانظر الفتوى رقم: 95195.
وتحريض المرأة وإفسادها على زوجها والسعي في التفريق بينهما معصية كبيرة, ومنكر عظيم، قال ابن تيمية: فَسَعْيُ الرَّجُلِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا مِنْ الذُّنُوبِ الشَّدِيدَةِ, وَهُوَ مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ, وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ.
ولا يجوز لأحد أن يفتي الناس بغير علم, فإنّ خطر الفتوى عظيم, وانظر في ذلك الفتوى رقم: 14585، والفتوى رقم: 37492.
والله أعلم.