الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرجل الحق هو القائم بأمر الله، الواقف عند حدوده، الحريص على مرضاته، الذي يخالق الناس بخلق حسن، ويحب لهم ما يحب لنفسه، وأولى الناس بإحسانه أهل بيته، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالرفق بالنساء فقال: ... اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. متفق عليه.
والرجل الحق في بيته يقوم بواجب المسؤولية التي كلفه بها الشرع نحو أهله؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ........ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ..." متفق عليه.
وعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بيته. صحيح ابن حبان.
قال ابن عبد البر (رحمه الله): فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم، ويأمرهم به، وواجب عليه أن ينهاهم عن كل ما لا يحل لهم، ويوقفهم عليه، ويمنعهم منه، ويعلمهم ذلك كله.
وقد جعل الشرع للزوج القوامة على زوجته، وبمقتضاها عليه أن يكفها عن المفاسد ويحملها على أداء الواجبات، لكن هذه القوامة لا تعني تسلطه وتجبره على المرأة، أو تجاهل مشاعرها وإساءة عشرتها، وإنما القوامة تعني رعاية المصالح الدينية والدنيوية وتقتضي الرحمة والإحسان.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ : " وقال ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع." الجامع لأحكام القرآن.
وعليه؛ فالعناد مع الأهل أو غيرهم مذموم، وإذا حمل العناد على الخصومة بالباطل، فهو منكر بلا ريب، وقد عده بعض العلماء من الكبائر.
ففي الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي : "... وَالْخُصُومَةُ لِمَحْضِ الْعِنَادِ بِقَصْدِ قَهْرِ الْخَصْمِ وَكَسْرِهِ، وَالْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ الْمَذْمُومُ.
ومن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة له، فهو أبعد الناس عن العناد المذموم ولا سيما مع أهله، فقد كان صلى الله عليه وسلم سهلا لينا رفيقا؛ ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ.
قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ إِذَا هَوِيَتْ شيئا لا نقص فِيهِ فِي الدِّينِ مِثْلَ طَلَبِهَا الِاعْتِمَارَ وَغَيْرَهُ، أَجَابَهَا إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: سَهْلًا أَيْ سَهْلَ الْخُلُقِ، كَرِيمَ الشَّمَائِلِ، لَطِيفًا، مُيَسَّرًا فِي الْخُلُقِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وَفِيهِ حُسْنُ مُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وعاشروهن بالمعروف. لَا سِيَّمَا فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الطَّاعَةِ. شرح النووي على مسلم.
والله أعلم.