الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية, ولا يتعين إلا عند عدم من يقوم به من الناس، يقول الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو.
وعلى هذا فإذا كنت قد بلغت الحلم فأنت كغيرك من المكلفين، يتوجه عليك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يتوجه على غيرك، وليس صغر السن عذرًا, قال السعدي: والحاصل أن من حضر مجلسًا يعصى الله به، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها.
لكن مراعاة شروط التغيير في كل منكر واجبة, وقد لخصها شيخ الإسلام بقوله: فلا بد من هذه الثلاثة: العلم؛ والرفق؛ والصبر؛ والعلم قبل الأمر والنهي؛ والرفق معه, والصبر بعده, وإن كان كل من الثلاثة مستصحبًا في هذه الأحوال؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعًا؛ ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به؛ فقيهًا فيما ينهى عنه؛ رفيقًا فيما يأمر به؛ رفيقًا فيما ينهى عنه؛ حليمًا فيما يأمر به, حليمًا فيما ينهى عنه.
لكن إن كنت تعلم أن من تأمره أو تنهاه لا يقبل منك، ففي سقوط الأمر حينئذ خلاف بسطناه في الفتوى رقم: 180123 فرجعها.
أما إذا كنت لم تبلغ الحلم بعد: فلا يجب عليك, ولكن يندب لك إنكار المنكر بما تقدر عليه.
جاء في الأشباه والنظائر : الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ، وَالْفَاسِقُ، وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَشْتَرِكُونَ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُثَابُ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ كَسْرِ الْمَلَاهِي، وَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا - فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْوِلَايَاتِ, وَقَالَ السُّبْكِيُّ: خِطَابُ النَّدْبِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَمْرَ نَدْبٍ، مُثَابٌ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي حَقِّهِ خِطَابُ الْإِبَاحَةِ، وَالْكَرَاهَةِ، حَيْثُ يُوجَدُ خِطَابُ النَّدْبِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. انْتَهَى.
والله أعلم.