الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالشهرين شهران هجريان. ومن كان عليه صيام شهرين متتابعين فإن ابتدأ الصوم من أول الشهر أجزأه صيام شهرين بالأهلة سواء كان الشهران تامين أو ناقصين، وإن ابتدأ من أثناء شهر فقيل يلزمه صيام ستين يوما، وقيل يجزئه الشهر الذي يصومه من أوله تاما كان أو ناقصا ويكمل الثاني ـ وهو الذي ابتدأ من خلاله ـ ثلاثين يوما وهذا هو قول الجمهور، وقد بين ابن قدامة صور هذه المسألة وكلام العلماء فيها فقال ما عبارته: ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أَوَّلِ شَهْرٍ، وَمِنْ أَثْنَائِهِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَلِثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَأَيُّهُمَا صَامَ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، تَامَّيْنِ كَانَا أَوْ نَاقِصَيْنِ، إجْمَاعًا، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَمَالِكٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ {المجادلة: 4} وَهَذَانِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ، وَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ، فَصَامَ سِتِّينَ يَوْمًا، أَجْزَأَهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَّا إنْ صَامَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ، وَشَهْرًا بِالْعَدَدِ، فَصَامَ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مِنْ الْمُحَرَّمِ، وَصَفَرَ جَمِيعَهُ وَخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مِنْ رَبِيعٍ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، سَوَاءٌ كَانَ صَفَرٌ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي بَدَأَ مِنْ وَسَطِهِ لِتَعَذُّرِهِ، فَفِي الشَّهْرِ الَّذِي أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالُ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا شَهْرَانِ بِالْعَدَدِ، لِأَنَّنَا لَمَّا ضَمَمْنَا إلَى الْخَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الْمُحَرَّمِ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ صَفَرٍ، فَصَارَ ذَلِكَ شَهْرًا صَارَ ابْتِدَاءُ صَوْمِ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ أَيْضًا، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. انتهى.
والله أعلم.