الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك سعيك وحرصك على الخير والتحري في أمور دينك، ثم إن الأمر على ما ذكرت من أن جمهور الفقهاء ـ ومنهم المذاهب الأربعة ـ على القول بوقوع طلاق الحائض، وهذا القول هو المفتى به عندنا، كما في الفتوى رقم: 8507.
وبناء على هذا تكون الطلقات الثلاث قد وقعت وبانت منك هذه المرأة بينونة كبرى فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، لقوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.
وهذا المسلك الذي هو البحث عن القول أو الفتوى التي توافق هوى عند الشخص مسلك خطير ويفتح الباب واسعا للأهواء واستحلال ما حرم الله بأدنى الحيل، ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام شديد في سلوك مثل هذه المسالك لإبطال البينونة الكبرى فقد سئل عن رجل تزوج امرأة من سنين، ثم طلقها ثلاثا وكان ولي نكاحها فاسقا، فهل يصح عقد الفاسق، بحيث إذا طلق ثلاثا لا تحل له إلا بعد نكاح غيره، أو لا يصح عقده؟ فله أن يتزوجها بعقد جديد، وولي مرشد من غير أن ينكحها غيره؟ فأجاب: الحمد لله، إن كان قد طلقها ثلاثا فقد وقع به الطلاق، وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا، أو فاسقا ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة، وإذا فرع على أن النكاح فاسد، وأن الطلاق لا يقع فيه فإنما يجوز أن يستحل الحلال من يحرم الحرام، وليس لأحد أن يعتقد الشيء حلالا حراما، وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟ فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته فاسدا إذا كان له غرض في فساده، وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه، أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين، وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث، يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه بحسب الغرض والهوى، ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة. اهـ.
وحسن أن تخشى عليها الردة إلا أن هذا لا يسوغ لك رجعتها، وادع الله لها بخير أن يرزقها الثبات، وسلط عليها بعض النساء الثقات ليكن عونا لها على ذلك، وإذا ارتدت بعد هذا كله فقد جنت على نفسها، واحذر مخالطتها فهي أجنبية عنك.
وننبه إلى أن الإنجاب حق من حقوق الزوجة على زوجها فليس له منعها منه لغير غرض صحيح، وما ذكر بالسؤال من كون هذه المرأة صعبة المراس لا يسوغ ترك الإنجاب منها، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 128947، ففيها بيان بعض مسوغات عدم الإنجاب.
ونوصيك في الختام بزوجتك الأولى وأن تحرص على أن تجمعها بك لتعفها وتعف بها نفسك وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتنة، ولا سيما في بلاد الكفر، ثم إن من أهم عوامل الإنجاب وجود الزوجة مع زوجها كما هو معلوم.
والله أعلم.