الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخصومة لا يمكن الفصل فيها، وإلزام المتخاصمين بالحكم إلا عن طريق القضاء، ولا يصح الاكتفاء فيها بمجرد فتوى؛ لأن القاضي هو الذي يتأتى له الوقوف على تفاصيل القضية، وعلى البينة التي تطلب من المدعي وغيرها من الملابسات، وهو الذي يكون حكمه ملزما للجميع.
وما ذكرته من أمور قد ينكرها جيرانك، فليس لك حينئذ إلزامهم بالدفع والمشاركة في المصاريف إلا عن طريق القضاء.
وأما سؤالك عن تحميل سكان العمارة كلفة ما دفعته لإخراج الماء من بيتك، فلا يجوز ذلك؛ لأنهم لم يفعلوا ما يوجب عليهم ضمان ما دفعته من مال.
فقد قال القرافي في الفروق: أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ الضَّمَانُ، وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ. ( أَحَدُهَا ): التَّفْوِيتُ مُبَاشَرَةً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
( وَثَانِيهَا ): التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَوَضْعِ السَّمُومِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَوُقُودِ النَّارِ بِقُرْبِ الزَّرْعِ أَوْ الْأَنْدَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُهُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُفْضِيَ غَالِبًا لِلْإِتْلَافِ.
( وَثَالِثُهَا ): وَضْعُ الْيَدِ غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ، فَيَنْدَرِجُ فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ يَدُ الْغَاصِبِ. انتهى.
والله أعلم.