الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أخبرك الطبيب الثقة أن تناولك للحبة السوداء يضرك بسبب تعاطيك لعلاج معين, فليس في امتثالك لقول الطبيب معارضة لما صح في الطب النبوي من أن الحبة السوداء شفاء من كل داء, فإن هذا من العموم الذي يراد به الخصوص عند كثير من أهل العلم.
قال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل: "فيه شفاء للناس" الأكثر الأغلب, فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.
وقال الخطابي: هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص, وليس يجمع في طبع شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها، وتباين طبعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم, وذلك أنه حار يابس فهو شفاء - بإذن الله - للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة, وذلك أن الدواء أبدًا بالمضاد، والغذاء بالمُشاكِل.
وقال الطيبي: ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}, وقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} في إطلاق العموم وإرادة التخصيص.
وقال ابن القيم: وقوله "شفاء من كل داء"؟ مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ، أي كل شيء يقبل التدمير، ونظائره.
وقال المناوي: "شفاء من كل داء" يحدث من الرطوبة إذ ليس في شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور.
والله أعلم.