الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي ذكره السائل في شرح الحديث قرره الحافظ ابن حجر في (الفتح) وتبعه عليه مَن جاء بعده مِن الشراح، كالسيوطي والمناوي، والقسطلاني، والقاري، وابن علان، والصنعاني، والمباركفوري.
وبالنسبة للنقطة الأولى في مفهوم العدد.
قال القسطلاني في (إرشاد الساري): روي الإظلال لذي خصال أخر كثيرة غير هذه، أفردها شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي في جزء، فبلغت مع هذه السبعة اثنتين وتسعين. اهـ.
وقال المناوي في (فيض القدير) بعد ذكر كلام الحافظ ابن حجر: ثم ألف في ذلك بعد ابن حجر السخاوي، والسيوطي، ومجموعها نحو تسعين خصلة. اهـ.
ونزيد السائل على ما قاله من كون بعض الأعمال ينال صاحبها جزاء خاصاً، أن بعضه له باب خاص من أبواب الجنة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. متفق عليه.
وأن هذه الأعمال المذكورة في الحديث تجمع صنوف الخير في جميع فئات المجتمع المسلم.
قال الدكتور سيد العفاني في كتاب (ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله): يلحظ المتأمل في هذا الحديث من جهة الشمول والاستيعاب أنه اشتمل أطراف المجتمع الإسلامي من الإمام في عدالته وعدله، والشباب في نشأتهم، والأفراد في ترابطهم، والجنسين في تعففهم، والطبقات الغنية والفقيرة في تقاربهم، وأعمال الدنيا والدين في ذكرهم وعدم غفلتهم، انتظم أصنافا متفاوتة من قمة المجتمع إلى قاعدته .. رجل في نفسه لا يعلم به أحد إلا الله يذكر الله خاليا حتى تفيض عيناه. اهـ.
وأما النقطة الثانية فقد قال ابن حجر في تقريرها: ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم. وتخرج خصلة ملازمة المسجد؛ لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن. اهـ.
وما قاله الحافظ من تفصيل في المراد بالإمامة ليشمل الحديث النساء مع الرجال، يمكن أن يُذكر قريب منه في المراد بالمساجد، إن كان المسجد في هذا الحديث يمكن أن يتناول مسجد البيت ـ وهو المعتزل المهيأ للصلاة في البيوت ـ كما كان حال حفصة بنت سيرين رحمها الله.
قال المقريزي في (مختصر قيام الليل): كانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها، فربما طفي السراج فيضيء لها البيت حتى تصبح. ومكثت في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو قائلة، وكانت تدخل مسجدها فتصلي فيه الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح. ولا تزال فيه حتى يرتفع النهار فتركع، ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوؤها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها إلى مثلها. اهـ.