الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر الله تعالى في مكان الخلاء وغيره من الأماكن القذرة، أدنى حالاته أنه مكروه؛ لأنه ينافي الأدب والتعظيم.
قال صاحب منح الجليل: وتكره قراءة القرآن والذكر في الطريق, والموضع القذر.
وقال صاحب غذاء الألباب ممزوجًا مع منظومة الآداب ما نصه: ويكره في الحمام كل ذكر، أي: كل ذكر من أذكار الله حيث كان باللسان، بخلاف ذكر القلب، فإنه لا يكره. اهـ.
لكن لو حلف في مكان الخلاء انعقدت يمينه، كما لو حلف خارج الخلاء.
وأما الغضبان: فإنه في حالة وعيه مخاطب شرعًا بما خوطب به غيره، وأما إذا كان فاقد الوعي فلا مؤاخذة عليه قياسًا له على المكره والمجنون.
قال صاحب الإقناع من الحنابلة: والغضبان مكلف حال غضبه بما يصدر منه من كفر، وقتل نفس، وأخذ مال بغير حق، وطلاق، وغير ذلك. اهـ.
وقال العلامة المرداوي في الإنصاف: ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، كالمجنون، والنائم، والمغمى عليه، والمبرسم، لم يقع طلاقه، لكن لو ذكر المغمى عليه والمجنون بعد أن أفاقا أنهما طلقا، وقع الطلاق، نص عليه ... إلى أن قال - رحمه الله -: ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي عليه أو غشي عليه، قال الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: يدخل ذلك في كلامهم بلا ريب. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: من حلف وهو غضبان فحاله حال تفصيل:
إن كان قد اشتد به الغضب حتى فقد شعوره ولم يميز من شدة الغضب لم يملك نفسه، فهذا لا تنعقد يمينه, ولا يلزمه شيء، كما لو طلق في حال شدة الغضب، وعند المسابة والمخاصمة الشديدة والمضاربة ونحو ذلك حتى فقد شعوره؛ لأنه في هذه الحال أشبه بالمعتوهين والمجنونين.
أما الغضب العادي فإنه لا يمنع الطلاق، ولا يمنع انعقاد اليمين، فإذا قالت: والله لا أكلم فلانة, أو قال رجل: والله لا أكلم فلانًا, أو لا أزوره, أو لا أجيب دعوته، ولو كان غضبان، لكن الغضب لم يخل بشعوره, ولم يبلغ حده للشدة التي تغير الشعور, وتمنع الإنسان من الفكر والنظر، فهذا عليه كفارة اليمين إذا خالف يمينه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك, وأت الذي هو خير». اهـ
والله أعلم.