الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمال الذي صُرف للبنت بعد وفاة أمها إن كان في أصله مستحقات مالية لتلك الأم على جهة العمل كانت تُستقطع من راتبها فإن المبلغ يعتبر تركة ويقسم بين ورثتها ومنهم زوجها وابنتها, وأما إن كان المبلغ هبة من جهة العمل أو الدولة ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فإنه لا يكون تركة ولا يقسم بين الورثة، وإنما يكون لمن تحددهم الجهة المانحة، فإن قالت الجهة هو للبنت فإنها تختص به وليس لوالدها الحق في انتزاع المبلغ منها، ولكن قد دلت الشريعة على أن الوالد له أن يأخذ من مال ولده بشروط ذكرناها في الفتويين رقم: 46692، ورقم: 104517.
ودلت الشريعة أيضا على أن الوالد إذا كان فقيرا فإن نفقته تجب على ولده الموسر ذكرا كان أو أنثى متزوجة كانت البنت أو غير متزوجة، كما بيناه بشروطه في الفتاوى التالية أرقامها: 158361، 33090، 154895.
ولذا، فإننا نوصي تلك البنت ببر والدها طاعة لله تعالى ورغبة فيما عنده، وأن تعطيه من المال ما لا تتضرر بأخذه، وأن تنفق على والدها إذا كان فقيرا وكانت هي موسرة، وأن لا تقابل إساءته إليها بمثلها، فإن حق الوالد عظيم وقد أمر اللهُ الولد بصحبة والديه بالمعروف ولو أمراه بالكفر، فقال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15}.
والمعنى أنهما إن حَرَصَا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على الشرك فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا أي: محسنًا إليهما, قال القرطبي: والآية دليلٌ على صلة الأبوين الكافرَيْن بما أمكن من المال إن كانا فقيرين وإلاَنة القول.. اهــ.
فإذا كان هذا في الوالد الكافر فكيف بالمسلم؟ فهو أولى بالصلة والبر والإحسان.
والله أعلم.