الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبرتنا في بعض أسئلتك السابقة أنك مصاب بالوسوسة, وما دام حالك هكذا فعليك أن تحمل نفسك على البعد عن الاسترسال في هذا الموضوع, وفي غيره مما يوسوس لك الشيطان به, واعمر وقتك بما يشغل ذهنك عن هذه الخطرات.
وأما عيسى فقد خلقه الله تعالى من غير أب, ولا نطفة, ولا شيء من ذلك, وإنما نفخ جبريل في درع مريم بأمر الله, فخلق الله عيسى بكلمة كن, كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ {النساء:171}، وقال تعالى : إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {آل عمران:45}، وقال الشوكاني: قوله: وروح منه, أي: يرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت - بإذن الله - وهذه الإضافة للتفضيل، وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى، وقيل: قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحًا, ويضاف إلى الله, فيقال هذا روح من الله: أي من خلقه، كما يقال في النعمة إنها من الله, وقيل روح منه أي: من خلقه, كما قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ أي: من خلقه, وقيل: روح منه أي: رحمة منه، وقيل روح منه أي: برهان منه، وكان عيسى برهانًا وحجة على قومه, وقوله منه: متعلق بمحذوف وقع صفة لروح، أي: كائنة منه, وجعلت الروح منه سبحانه, وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ. اهـ
وقوله تعالى: (بِكَلِمَةٍ) المراد هو عيسى - عليه الصلاة والسلام - وسمي كلمة لأنه وجد بكلمة "كن" بدون سبب آخر من الأسباب العادية، ولما تساءلت - عليها السلام - كيف يكون لها ولد؟ وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام إذ ليس لها زوج ولم تك من البغايا؟ رد عليها جبريل - عليه السلام - قائلا: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا {مريم:21}، أي: قال لها الملك: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلامًا على ما كان منك من عدم الزواج والبعد عن الفجور، فإنه على ما يشاء قدير.
والله أعلم.