الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علماء الإسلام في بلاد العرب والقارة الهندية قد اتفقوا على تكفير القاديانية، ومن هؤلاء ممثلو المنظمات الإسلامية الذين حضروا مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الذي عقد بمكة عام 1394هـ وأعلنوا كفر القاديانية، ومنهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، والمجمع الفقهي التابع للرابطة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ومن قادة الأمة العلماء الذين قالوا بكفرهم الشيخ ابن باز والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر، والشيخ الألباني والشيخ المودودي وغيرهم، كما أن البرلمان الباكستاني أصدر قرارا بأنهم أقلية غير مسلمة، وكان مستند هؤلاء العلماء في التكفير هو ما ثبت في كلام القاديانية من تكذيب ما في القرآن وتحريف معانيه بما يخالف إجماع الأمة، فقد أنكروا كثيرا من صفات الله، وأنكروا حياة عيسى ونزوله ورفعه إلى السماء، كما أنكروا ختم النبوة، وادعوا أن قائدهم نبي يوحى إليه، وقد سبق لنا أن بينا شيئا من عقائدهم وضلالاتهم في الفتويين رقم: 5419، ورقم: 95424.
وأما عن إيماننا بنزول عيسى ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان: فلا يتناقض مع كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء كما أخبر الله عن ذلك بقوله: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب: 40 }.
وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين. متفق عليه.
فالمسيح ـ عليه السلام ـ سيحكم بعد نزوله بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا بشريعته، كما عند مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم؟! فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة: وإمامكم منكم، قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني، قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم..
وفي صحيح مسلم: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة... قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة لهذه الأمة.
قال الأشقر في القيامة الصغرى: يقول النووي في رده على المكذبين بنزول عيسى الزاعمين أن نزوله لو كان حقاً فإنه يكون مناقضاً لقوله عليه السلام: لا نبي بعدي ـ وأنه يكون بذلك ناسخاً لشرع الرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الاستدلال فاسد، لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبياً بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث، ولا في غيرها شيء من هذا.. بل صح أنه ينزل حكماً مقسطاً.. يحكِّم شرعنا، ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس.
ثم إن نزول عيسى ـ عليه السلام ـ حق لا ريب فيه، وقد دل عليه الكتاب والسنة المتواترة، دليل الكتاب قوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا {النساء:159}.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية...
والله أعلم.