الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوقوع الطلاق بألفاظ الكنايات الخفية التي لا تشبه الطلاق محل خلاف بين المذاهب, فالمالكية في مشهور مذهبهم يرون وقوع الطلاق بكل لفظ قصد به الزوج الطلاق, ولو لم يوضع له، قال خليل: وإن قصده بكاسقني الماء أو بكل كلام: لزم. قال الخرشي معلقًا: يعني أن الإنسان إذا قال لزوجته: اسقني الماء, أو ادخلي, أو اخرجي, أو كلي, أو اشربي, أو غير ذلك مما ليس من ألفاظه, ولا من ألفاظ صريح الظهار, وقصد بذلك الطلاق فإنه يلزمه على المشهور؛ لأن هذه الألفاظ من الكنايات الخفية, فيلزمه ما نواه من طلقة فأكثر, فإن لم ينو طلاقًا فلا.
وأما الشافعية فلا يرون وقوع الطلاق بما لا يشبه ألفاظ الطلاق, قال في المهذب: فصل: وأما ما لا يشبه الطلاق, ولا يدل على الفراق من الألفاظ, كقوله: اقعدي, واقربي, واطعمي, واسقيني, وما أحسنك؟ وبارك الله فيك, وما أشبه ذلك, فإنه لا يقع به الطلاق, وإن نوى؛ لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق, فلو أوقعنا الطلاق لأوقعناه بمجرد النية, وقد بينا أن الطلاق لا يقع بمجرد النية.
وكذلك الحنابلة لا يرون الطلاق إلا باللفظ الصريح, أو بالكناية الظاهرة, قال في المغني: فصل: فأما ما لا يشبه الطلاق، ولا يدل على الفراق، كقوله: اقعدي, وقومي, وكلي, واشربي, واقربي, وأطعميني, واسقيني, وبارك الله عليك, وغفر الله لك, وما أحسنك؟ وأشباه ذلك، فليس بكناية، ولا تطلق به، وإن نوى؛ لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق، فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية، وقد ذكرنا أنه لا يقع بها.
ومما تقدم تعلم ما لأهل العلم من الخلاف في هذه المسألة جملة بين من يلزم الطلاق بكل لفظ, وبين من يرى الطلاق بغير ألفاظه الصريحة أو الظاهرة لغوًا لا اعتداد به.
أما ما ذكرت من أمر الشعور بأن مالكًا دون غيره مصيب: فذلك أمر لا اعتبار له طالما أنه إحساس لم يستند إلى دليل، فلا يقع الطلاق تلقائيًا لمجرد الاقتناع بمذهب الإمام مالك، ولك أن تراجع فتوانا رقم: 199943 وهي في معنى استفتاء القلب.
وأما عن ماذا يلزم المقلد إذا اختلفت عليه فتاوى المفتين فراجع الفتويين التاليتين: 170671 . 180063.
والله أعلم.