الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهما كان حال الأم فإن لها منزلة عظيمة, وحقًّا مؤكدًا, ولا تجوز الإساءة إليها برفع الصوت عليها, أو إغلاظ الكلام لها، فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، وانظر الفتاوى: 103139، 101410، 68850، فكيف إذا كانا مسلمين؟
فالواجب عليك التوبة إلى الله مما وقع منك من رفع صوتك على أمك, وأن تحرصي على مخاطبتها بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23 - 24}
قال القرطبي: (وقل لهما قولًا كريمًا) أي: لينًا لطيفًا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما, قال عطاء, وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولًا كريمًا ما هذا القول الكريم, قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
واعلمي أن التوبة تكون بالإقلاع عن الذنب, والندم على فعله, والعزم على عدم العود إليه, والتحلل من صاحب الحق, فإذا استوفت التوبة شروطها فهي مقبولة - بإذن الله - ولو تكررت بتكرر الذنب، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة: 222}، قال ابن كثير: أي: من الذنب وإن تكرر غشْيانه.
لكن عليك مجاهدة نفسك, والاستعانة بالله على ضبط النفس, وحسن الخلق عامة, ومع الأم خاصة، فإنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم, والحلم بالتحلم, ومن يتحر الخير يعطه, ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.
والله أعلم.