الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا تعريف الخشوع وحقيقته ومحله وثمرته في الفتوى رقم: 191721، وأيضا الفتوى رقم: 51741.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الخشوع حضور القلب وسكون الأطراف، أي: أن يكون قلبك حاضراً مستحضراً ما يقول وما يفعل في صلاته، ومستحضراً أنه بين يدي الله عزّ وجل، وأنه يناجي رَبَّه. اهــ .
وما تفعله من تخيل أن الله أمامك وأنه ينظر إليك، داخل في الخشوع، ولا حرج فيه، وقد كان الصحابة يفعلونه، ومن ذلك ما ورد عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه كان في الطواف فجاءه عروة فخطب منه سودة بنت عمر، وكلمه في ذلك أثناء الطواف فسكت ابن عمر ولم يُجبه، ثم لقيه بعدها فقال ابن عمر : كُنْتَ ذَكرْتَ لِي سَوْدَةَ وَنَحْنُ فِي الطَّوَافِ، نَتخَايلُ اللهَ بَيْنَ أَعيُنِنَا، وَكُنْتَ قَادِراً أَنْ تَلْقَانِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ الموطِنِ .. اهــ.
فاستمر أيها السائل فيما أنت عليه، وأنت على خير إن شاء الله .
وأما ما ذكرته من عدم الخوف من عذاب الله والاتكال على رحمة الله، فإنه خطأ، فالله تعالى أمر عباده بالخوف منه سبحانه فقال: { ... وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } آل عمران : 175.
والخوف من الله عز وجل من أفضل مقامات الدين ومن أجلها, وقد وصف الله به في كتابه العزيز الملائكة والأنبياء والصالحين فقال: يخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {النحل: 50} , وقال: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ {المؤمنون: 57}. وقال: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {الأحزاب: 39}.
فيجب عليك أن تخاف من الله تعالى, كما أن حسن الظن بالله تعالى مطلوب شرعا، ولكن لا بد أن يجمع معه العبد الخوف من الله, بل إن بعض العلماء فسر الخشوع في الصلاة بالخوف، فقد قال الحسن وقتادة في قوله تعالى: { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } قالا: خائفون.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: خائفون، ساكنون.
فيجب عليك أيها السائل أن تخاف من الله تعالى وعقابه، ولا تبالغ في الرجاء، فتخرج عن حد الاعتدال فيه.
والله تعالى أعلم