الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس كل تصرف، ولا كل حوار، يعد من الاستهزاء. فالابتسام عند رؤية الملتزمين إن كان فرحا بهم، فلا يعد استهزاء، وإن كان لسخرية منهم، فهو أمر مذموم، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ {الحجرات:11}.
قال ابن كثير رحمه الله: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس، ويروى: وغمط الناس، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له. انتهى.
ومع هذا فالاستهزاء بهم ليس كفرا، وإن كان معصية تجب التوبة منها، وقد وضحنا ماهية الاستهزاء الذي يعد كفرا في الفتوى رقم: 137818.
ونحن نحذرك من الوسوسة عموما، وفي هذا الباب خصوصا؛ لأن الاسترسال مع الوساوس وخاصة في هذا الباب يفضي إلى شر عظيم، فلا تلتفتي لما يخيل لك الشيطان من أنه يوقعك في الردة، فمن ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إلا بيقين؛ إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان, فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل، أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر, ومع ذلك فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغًا، عاقلًا، مختارًا. وصاحب الوساوس القهرية الذي يلعب به الشيطان لا يعد مختارا, فعالجي الأمر بالإعراض الكلي عنه، واشغلي وقتك بما ينفع من تعلم علم نافع، أو عمل مثمر، وخدمة للمجتمع، أو تسلية، أو رياضة مباحة، ولا تدعي للشيطان وقتاً يشغلك فيه بالوسوسة، وأكثري من تلاوة القرآن، والذكر، ومطالعة سير الصالحين والصالحات، وجالسي النساء الصالحات واختلطي بهن، وتجنبي الانفراد بنفسك، والمجالس التي تبعدك عن الله تعالى.
وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 148445، 137826، 131591، 147101، 3086 .
والله أعلم.