الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكثر أهل العلم على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متوالية يقع به ثلاث تطليقات وتبين به المرأة بينونة كبرى، وهذا هو المفتى به عندنا، لكن بعض أهل العلم يرى عدم وقوع الطلاق الثلاث إذا حصل متواليا قبل رجعة أو عقد جديد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:.. وكذلك إذا طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة أو العقد عند مالك وأحمد في ظاهر مذهبه وغيرهما، ولكن هل يلزمه واحدة؟ أو ثلاث؟ فيه قولان، قيل: يلزمه الثلاث، وهو مذهب الشافعي، والمعروف من مذهب الثلاثة، وقيل: لا يلزمه إلا طلقة واحدة، وهو قول كثير من السلف والخلف وقول طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة، وهذا القول أظهر.
وعليه، فالمفتى به عندنا أن زوجتك قد بانت منك بالطلاق الثلاث بينونة كبرى ومراجعتك لها باطلة، وإذا كنت راجعتها ناسيا أنك طلقتها ثلاثا فهذا يرفع الإثم ـ إن شاء الله ـ لكن الرجعة باطلة وعليك مفارقة المرأة فوراً، وبخصوص البنت التي ولدت في هذه المدة فهي ابنتك تنسب إليك، لأنك كنت تعتقد صحة الرجعة، وأما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فمراجعتك لزوجتك صحيحة، لكن حكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الخلافية، كما بيناه في الفتوى رقم: 126317.
فإن كانت المحكمة التي حكمت بالطلاق الثلاث محكمة شرعية فليس لك الرجوع لامرأتك إلا إذا تزوجت زوجا غيرك ـ زواج رغبة لا زواج تحليل ـ ثم يطلقها الزوج الجديد بعد الدخول أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه، وأما إن كان الذي حكم بالطلاق الثلاث قاض غير مسلم، فلك أن ترفع مسألتك إلى المحكمة الشرعية لتحكم فيها وتعمل بحكمها، وفي حال فقد المحاكم الشرعية يمكن الرجوع للمراكز الإسلامية، جاء في بيان لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:... فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة.... اهـ
والله أعلم.