الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشكر لك هذا الحرص على الخير، والتثبت من الأمر قبل الإقدام عليه احتياطا للدين.
وأما ما سألت عنه فجوابه: أن بناء المساجد يعتبر صدقة جارية.
وفي فضل بناء المسجد عموما يقول الشيخ العثيمين: إن المساجد من أفضل ما بذلت فيه الأموال، وأدومه أجراً، فإن أجرها مستمر ومتنوع؛ لأن المسلمين يتعبدون لله تعالى فيها بالصلاة وغيرها، ففيها المصلي، وفيها القارىء للقرآن، وفيها الدارس للعلم وغير ذلك، والمسلمون ينتفعون بها في الاستظلال من الحر والاكتنان من البرد، ولهذا رغب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بنائها؛ فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «من بنى مسجداً بنى الله له مثله في الجنة» . وفي لفظ: «بنى الله له بيتاً في الجنة» فالثواب عظيم والأجر كبير، بيت في دار النعيم المقيم، في جوار الرب الرحيم، في دار لا نفاد لنعيمها، ولا فناء لأهلها..)
وعليه، فإن كنت تستطيع التبرع للمسجد أوغيره، وتجد مع ذلك وفاء لدينك عند حلوله، فالذي نراه هنا هو أن الأولى لك هو التبرع للمسجد جمعا بين الحسنين: حسنة التبرع، وحسنة قضاء الدين في أجله؛ ولأن الحاجة للتبرع للمسجد قد تفوت، والدين موعده لم يحل، فالمبادرة للسداد مستحبة، والتبرع مستحب. فهما مستحبان، ويترجح التبرع لإمكانية تحصيل الثاني؛ لأنه لا يفوت بعدم تعجيله الآن.
وقد قال الشربيني في مغني المحتاج: فإن رجا له وفاء من جهة أخرى ظاهرة، فلا بأس بالتصدق به، إلا إن حصل بذلك تأخير. اهـ
واما إن كان تبرعك يؤدي إلى تأخير السداد عن وقته، ولا تجد له وفاء حين حلوله، فليس لك التبرع، ولك حينئذ أن تعجل السداد لتحوز فضيلة تعجيله، أو تنتظر أجله.
قال النووي- رحمه الله تعالى- في المنهاج: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، أو لدينٍ لا يرجو له وفاء , والله أعلم. انتهى.
والله أعلم.