الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك المعصية واجب بأصل الشرع، وإذا حلف العبد على ترك المعصية فقد أكد الواجب الشرعي وأضاف إليه وجوب الامتثال والبر بيمينه وما أوجبه على نفسه من البعد عنها، فلا يجوز له الحنث في هذه اليمين، والسبيل الأمثل لترك المعصية إنما هو التوبة النصوح، وعقد العزم الجازم على عدم العودة إليها فيما بقي من العمر، والحالف إذا حنث في يمينه فإن يمينه تنحل بذلك، وبالتالي فليس عليه كفارة أخرى إذا وقع فيما حلف أن لا يفعله، إلا إذا كان حلف يميناً ثانية أو كان لفظ يمينه الأولى يقتضي التكرار، أو نوى بيمينه تكرر الكفارة بتكرر فعل المحلوف على تركه، فإن عليه كفارة أخرى حسب ذلك، وانظر الفتوى رقم: 136912، وما أحيل عليه فيها.
وأما قولك: ثم لم يجد إلا أن يكفر عن يمينه بصيام ثلاثة أيام آخذا بقول عدم وجوب تتابع الصيام في الكفارة... فنريد أولا التنبيه فيه إلى أن التكفير بالصيام لا يصح إلا إذا عجز الحانث عن الإطعام والكسوة والعتق، فإذا لم يجد شيئا من ذلك فعليه أن يكفر بالصيام، وفي خصوص عدم تتابع صيام كفارة اليمين فقد ذهب إليه كثير من أهل العلم، وهو المفتى به عندنا، لأن الأمر بالصوم جاء مطلقا ولم يرد له تقييد في نصوص الوحي، وإن كان التتابع أفضل للخروج من خلاف من أوجبه، كما بينا في الفتوى رقم: 50926.
والحلف على ترك المعاصي ليس من الورع في شيء، لأن الورع كما جاء في مدارج السالكين: تَرْكَ مَا تَخَافُ ضَرَرهُ فِي الْآخِرَةِ.
وترك المعاصي واجب بأصل الشرع ـ كما ذكرنا ـ وفعلها محقق الضرر، وسواء كان في ذلك مشابهة لبني إسرائيل أو غيرهم، فإن على المسلم أن يحفظ يمينه كما أمره الله تعالى بقوله: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.
والله أعلم.