الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن هناك أنواعا ومجالات للتفكير لا تفتقر إلى لغة، فالعقل أرحب مجالا من اللسان، فقد يفكر في ما لم يوجد أصلا ولم يعرف له اسم، ثم إذا اختُرع وَوُجد أطلق عليه اسم يتواضع الناس عليه، وهذا الطفل الصغير يكون له نوع تفكير وإدراك قبل أن يفهم دلالة الألفاظ ويتعلم اللغة! وقد يولد الإنسان أصم وأبكم، ومع ذلك يكون له نوع إدراك وتفكير، بل إن الحيوان البهيم يكون له شيء من ذلك، وبعض أنواعه يكون له ما يعرف بالتصرف الذكي! ومن جهة أخرى، فإن سعة اللغة وكثرة مفرداتها ودقة دلالتها وتنوعها، له أثره على النتاج الفكري على اختلاف اتجاهاته ومناحيه، إذ إن الإنسان إنما يفكر باللغة التي يتقنها، وبها يصوغ نتاجه في الغالب.
وأما اللغة العربية وفضلها ونزول القرآن بها: فراجعي فيه الفتاوى التالية أرقامها: 49793، 97354، 137271.
وقد قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ {إبراهيم: 4}.
وقال صديق حسن خان في البلغة إلى أصول اللغة: اختلفوا في لغة العرب، فمنهم من قال: هي أول اللغات، وكلُ لغةٍ سواها حدثَتْ بعدها، إما توقيفاً أو اصطلاحاً، واستدلوا بأن القرآن كلامُ الله، وهو عربيّ، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات وجوداً!! ... قلت: ولا دليل في كون القرآن ـ كلام الله ـ على أن لغة العرب أول اللغات وأسبقها، لأن صحف إبراهيم، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، نزلت قبل القرآن، وكلها كلام الله، فما أبرد هذا الدليل، نعم فيه دلالة على أنّ لغة العرب أفضل اللغات وأحسنها. اهـ.
والله أعلم.